شهدت مناطق الساحل السوري على مدى الأيام الثلاثة الماضية، عمليات عسكرية واسعة، بعد هجمات لـ”فلول النظام السوري المخلوع” على مواقع عسكرية ومراكز مدن وسيطرتها على بعضها، تخلل ذلك أعمال عنف، وتحدثت تقارير عن ارتكاب انتهاكات بحق مدنيين، فكيف ستنعكس هذه الأحداث على الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، وما مدى تأثيرها على عملية الانتقال السياسي التي يجري العمل عليها؟
شن عناصر من “فلول النظام” المخلوع مساء الخميس الماضي، هجمات متزامنة على مدن اللاذقية وجبلة والقرداحة وعدة مناطق في أريافها، أسفرت عن سيطرتها على هذه المدن، ومقتل عناصر من قوات الأمن العام التابع لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال السورية، واحتجاز آخرين داخل بعض المؤسسات.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يدعو لحماية المدنيين واحترام سيادة سوريا
أعقب ذلك، بدء إدارة العمليات العسكرية السورية وقوات الأمن العام، عملية عسكرية موسعة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، أسفرت بعد يومين عن السيطرة الكاملة على المحافظتين واستعادة مراكز المدن، إلا أنه رافق تلك العمليات أعمال عنف واسعة، وتحدثت تقارير حقوقية عن ارتكاب انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة العلوية وتنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحق بعضهم.
يذهب أغلب المحللين، إلى أن الأحداث التي شهدها الساحل السوري، لم تكن حدثاً عابراً بل كانت ضمن مخطط من دول وأطراف إقليمية، لذلك سيكون لها انعكاسات على الأوضاع في سوريا من جميع النواحي مستقبلاً.
استثمار خارجي
الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العميد ناجي ملاعب، يقول إنه “إذا كان الجيش السوري للنظام السابق لم يقاتل خلال الهجوم على المدن السورية وصولاً إلى العاصمة دمشق من قبل الإدارة الجديدة، فإن ذلك لا يعني أنه استقال من دوره، لكن النظام أوصله إلى حالة من عدم الإيمان بالقتال”.
ويضيف في تصريحات لموقع “963+”، أنه “اليوم إذا ما تم الاستثمار في هؤلاء فإنهم قد يكونون مصدر إزعاج، خاصةً أن المستثمرين كثر وشرسون ويتهافتون على سوريا، حيث أن الأميركي موجود ولن يخرج إلا بفرض شروط معينة، إلى جانب الروسي الذي يبدو أن لديه أطماع بمواد الهيدروكربون بالبادية السورية ولديه قاعدتان عسكريتان، ويمكن أن يتعاون مع الإدارة، أو في حال مالت الكفة فقد يكون عامل اضطراب ويغذي النعرات ضد الحكم الجديد، إلى جانب الوجود الإيراني الذي لم ينته في سوريا، رغم الدعم التركي للجيش السوري الجديد وتعيين ملحق عسكري”.
اقرأ أيضاً: التراجع الإيراني في سوريا: عزلة متزايدة وسط تحولات إقليمية ودولية
تقاطع القضايا وضغط على الحكومة
ويرى الباحث والأكاديمي السوري الدكتور عرابي عرابي، أنه “يمكن القول إن الأحداث في الساحل السوري ليست معزولة، بل انعكاساً للتحديات الأوسع التي تواجه البلاد، إذ تتقاطع قضايا الأمن والعدالة الانتقالية مع متطلبات الإصلاح السياسي الشامل”، ويقول في تصريحات لـ”963+”، إن “استمرار التوترات في الساحل قد يزيد من الضغوط على الحكومة لتطبيق خطة أمنية عاجلة تضمن استقراراً داخلياً”.
وأثارت الأحداث التي شهدتها مناطق الساحل، المخاوف لدى السوريين من زيادة الشرخ المجتمعي وتهديد السلم الأهلي، وما يتبع ذلك من تفكك يقوّض قيام الدولة المنشودة، خاصةً في ظل التقارير الحقوقية عن انتهاكات وأعمال عنف ارتكبت بحق مدنيين عزل خلال العمليات العسكرية.
وتؤكد عضوة اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض من جانبها، أن “تداعيات أحداث الساحل السوري تظهر خطوة انتشار المنظومة الفصائلية في عموم أنحاء سوريا، وتؤكد بشكل بديهي أن هذه الجهات ذات توجه نابذ للتعددية السورية، وليست قادرة على الضلوع في بناء سوريا الحديثة، في حين يحتاج المسار السياسي لإطار حيادي، ولا يتم ضمن أطر الصراع المسلح”.
مخاوف من الامتداد
وتعتبر مبيض خلال تصريحات لـ”963+”، أن “المشهد اليوم يمثل دافع لتفادي أي تداعيات مماثلة في أي منطقة من مناطق سوريا، وذلك لا يتم عبر الشجب والتنديد بل عبر العمل على مسار التغيير الجذري، والبدء بعمل دستوري ضمن أطر دولية حيادية بملكية وسيادة سورية”.
اقرأ أيضاً: الصليب الأحمر الدولي يدعو لحماية المدنيين في الساحل السوري
وبحسب ملاعب، فإن “حزب الله اللبناني يحاول إدخال أسلحة إلى سوريا، وعمليات تهريب الأسلحة مستمرة رغم الاشتباكات التي حدثت على الحدود قبل فترة، حيث أن التضاريس بين البلدين كبيرة وتمتد على مساحات واسعة، إلى جانب العامل الإسرائيلي عبر ادعائه أنه يحمي الدروز في الجنوب السوري”.
ويشير إلى أنه “في حال استطاعت القوى الجديدة، والتي لديها المراس في حرب العصابات، استعمال القوة بشكل جيد، فإنها ستستطيع إعادة الأمور إلى نصابها”.
ومع اندلاع العمليات العسكرية وأعمال العنف في الساحل، أطلقت الأمم المتحدة والعديد من الدول العربية والعالمية ومنظمات دولية، تحذيرات من تداعيات أعمال العنف على العملية الانتقالية الهشة في سوريا، وأي ممارسات قد تقوّض المسار السياسي الناشئ في البلاد.
وتعليقاً على هذه الأحداث، دعا الاتحاد الأوروبي أمس السبت، إلى حماية المدنيين السوريين في جميع الظروف، والاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني، وأكد على رفضه لأي أعمال من شأنها زعزعة الاستقرار في سوريا، داعياً “جميع الجهات الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها”.
كما أعربت وزارة الخارجية الفرنسية، عن “قلق باريس إزاء أعمال العنف بالساحل”، ودعت الحكومة السورية إلى ضمان إجراء تحقيقات مستقلة تكشف الحقيقة الكاملة عن هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها، فيما قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن “الأمين العام يدين بشدة كل أعمال العنف في سوريا”، داعياً الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الأعمال العدائية”.
ويلفت عرابي، إلى أن “المشهد السياسي العام يشير إلى إمكانية تكرار أحداث مشابهة في مناطق أخرى، إذا لم يتم معالجة الأسباب البنيوية التي أدت لهذه الاضطرابات، حيث أن الإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة الانتقالية يعدان خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة الدولة، لكن نجاحهما يعتمد على القدرة على تنفيذ إصلاحات عميقة في بنية المؤسسات، إلى جانب ضبط المؤسسة العسكرية والأمنية وتعزيز الثقة بين مختلف المكونات”.
وينظر إلى أحداث الساحل بحسب محللين، على أنها “جرس إنذار” وتحد آخر وتنبيه للإدارة السورية الانتقالية، لإطلاق عملية سياسية شاملة تضم كافة القوى والمكونات السورية، وضرورة العمل بوتيرة أسرع لمعالجة المعوقات وإصلاح المؤسسات وصولاً إلى إطار ديموقراطي ينظم أمور البلاد.