في صباح عادي من أيام الشهر الجاري، استيقظت عائلة علي، المقيمة في مدينة القريتين قرب حمص، وسط سوريا، على نوبة سعال شديدة أصابت طفلهم البالغ من العمر ست سنوات، مصحوبة بصعوبة واضحة في التنفس. بعد زيارة الطبيب، تم تشخيص الطفل بالتهاب الصدر، وهو ما استدعى إدخاله إلى المستشفى. إلا أن العائلة وجدت نفسها أمام عقبة كبيرة، حيث كانت الغرف مكتظة، تضم كل منها أكثر من ستة مرضى، فضلاً عن التكاليف الباهظة للمستشفيات الخاصة التي تجاوزت إمكانياتهم.
ارتفاع حالات التهاب الصدر
تشهد سوريا في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات التهاب الصدر بين الأطفال، ما يثير قلق الأهل والمجتمع الطبي على حد سواء. هذا المرض التنفسي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، وقد يصل في بعض الحالات إلى الوفاة، إذا لم يُعالج بشكل سريع وفعال. إلا أن الأزمة الصحية في البلاد تجعل الحصول على رعاية صحية مناسبة أمراً بالغ الصعوبة.
وتواجه عائشة الوردي من دير الزور تجربة مماثلة، حيث تقول لموقع “963+”: “بدأت الأعراض تظهر على ابني منذ حوالي أسبوعين، مع سعال شديد وضيق في التنفس وارتفاع في درجة الحرارة. نقلته إلى المستشفى الحكومي في مدينة هجين، لكن الازدحام الكبير ونقص الطواقم الطبية جعلانا ننتظر ساعات طويلة قبل أن نتمكن من رؤية الطبيب”.
وتضيف بقلق: “حصلنا على بعض الأدوية، لكنني أخشى أن تتدهور حالته بسبب نقص الإمكانيات”.
التكلفة المرتفعة تعوق العلاج
من جهته، يروي علي الحسن، والد طفل آخر من مدينة الحسكة، معاناته قائلاً لـ”963+”: “ابني يعاني من مشاكل صحية منذ ولادته، لكن حالته تفاقمت مؤخراً. عندما حاولنا التوجه إلى مستشفى خاص، وجدنا أن التكلفة تصل إلى مليونين ونصف ليرة سورية لليلة الواحدة، وهو مبلغ يفوق قدرتنا بكثير”.
ويشدد علي على أهمية تعزيز الدعم الحكومي للمستشفيات العامة حتى لا يصبح المال عائقاً أمام صحة الأطفال.
وبدورها توضح الدكتورة بشرى جنيدي، الأخصائية في أمراض الصدر لدى الأطفال والحاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة دمشق، خطورة الوضع قائلة: “نحن نواجه نقصاً حاداً في الطواقم الطبية والمعدات، مما يؤثر سلباً على جودة الرعاية الصحية المقدمة للأطفال”.
وتضيف لـ”963+”: “خلال العام الحالي، ارتفعت حالات التهاب الصدر بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي، بسبب عوامل جوية، وسوء تغذية، وفقر الأهالي، ونقص الأطباء المختصين”. وتناشد الدكتورة بشرى الحكومة والمجتمع الدولي لتقديم دعم عاجل يساهم في تحسين الظروف الصحية.
المستشفيات الخاصة: جودة مقابل تكلفة
أما إبراهيم القيصوم، مدير أحد المستشفيات الخاصة في دير الزور، فيشير إلى أن “المستشفيات الخاصة تقدم خدمات طبية عالية الجودة، لكن التكاليف المرتفعة تجعلها خارج متناول الكثير من الأسر”.
ويؤكد القيصوم في حديث لـ”963+” على ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحسين الرعاية الصحية، قائلاً: “يمكن للمستشفيات الخاصة أن تدعم نظيرتها الحكومية في أوقات الأزمات، ما يسهم في تخفيف الضغط وتحسين الخدمات”.
وتعكس هذه الشهادات حجم الأزمة التي تواجه الأطفال في سوريا، حيث تبرز الحاجة الملحة لتحسين البنية التحتية الصحية، وتوفير الكوادر الطبية المدربة، والمعدات اللازمة لضمان تقديم رعاية صحية فعالة. وفي ظل هذه الظروف، يبقى دعم الحكومة والمجتمع الدولي ضرورياً لضمان سلامة الأطفال وصحتهم في مواجهة هذه التحديات المتزايدة.