في ظل التوترات المستمرة في سوريا والمنطقة، تبرز دعوة عبد الله أوجلان لوقف إطلاق النار كمتغير جديد قد يعيد رسم المشهد السياسي والعسكري، ليس فقط في تركيا، ولكن على امتداد الحدود السورية. فكيف ستتأثر سوريا بهذه الدعوة؟ وهل يمكن أن تكون مقدمة لتحولات كبرى في الملف السوري؟ النائبة في البرلمان التركي نوروز أويسل ترى أن التأثيرات ستتجاوز الحدود التركية، قائلة: “إذا تبنت الحكومة التركية خطابها الرسمي حول الأخوة التركية-الكردية التاريخية، فمن المفترض أن تنظر إلى حقوق الكرد السوريين بعيون أكثر إيجابية”.
انعكاسات الدعوة على سوريا والمشهد الإقليمي
أكدت نوروز أويسل، عضو البرلمان التركي عن حزب المساواة وديموقراطية الشعوب وهو حزب كردي في تركيا، في تصريحات لموقع “963+” أن رسالة أوجلان لن تقتصر تداعياتها على تركيا فقط، بل ستشمل أيضاً الوضع في سوريا والعراق.
وأوضحت أن هذه التطورات قد تدفع أنقرة إلى إعادة تقييم موقفها من الكرد في شمال شرقي سوريا، خاصة أن تركيا تبرر عملياتها العسكرية هناك بحجة محاربة “حزب العمال الكردستاني”.
وترى أويسل أن أي تغيير في السياسة التركية تجاه الكرد “سيؤثر مباشرة على علاقات أنقرة مع التحالف الدولي ضد داعش، حيث لن يكون بإمكانها استغلال هذه العلاقات عسكرياً أو ديبلوماسياً لمهاجمة المنطقة”.
كما أشارت إلى “احتمال اضطرار تركيا إلى إيقاف عملياتها العسكرية، وخاصة الهجمات بالطائرات المسيرة، الأمر الذي قد ينعكس على شكل تهدئة نسبية في الشمال السوري”.
اقرأ أيضاً: تركيا ومسار المصالحة مع أوجلان: خطوة نحو الحل أم مناورة سياسية؟ – 963+
تحولات محتملة في العلاقات التركية-السورية
فيما يخص العلاقة بين تركيا ودمشق، أكدت أويسل أن الإدارة السورية الجديدة، رغم تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، “لا تزال تعتمد بشكل أساسي على التفاهمات مع أنقرة”. وأضافت أن “الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا في سوريا، إضافة إلى هيئة تحرير الشام، كلها ترتبط بشكل مباشر بالسياسات التركية، مما يعني أن أي تحول في النهج التركي تجاه الكرد قد ينعكس على علاقة أنقرة بهذه القوى”.
وترى أويسل، من وجهة نظرها، أنه في “حال دعمت تركيا جهود السلام التي دعا إليها عبد الله أوجلان، فقد يؤدي ذلك إلى تغير في علاقة هيئة تحرير الشام والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وربما يمهد الطريق لمفاوضات أكثر جدية بين دمشق وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)”.
وفي هذا السياق، أكد مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قسد”، أن دعوة أوجلان لإلقاء السلاح لا تستهدف “قسد”، وإنما تتعلق بـ”حزب العمال الكردستاني”. وأضاف أن هذه الدعوة قد تساعد في إزالة الذرائع التركية لمهاجمة “قسد”، مشيراً إلى أن أوجلان أرسل رسالة إلى شمال شرقي سوريا تتحدث عن خيار السلام بشكل “إيجابي”.
اقرأ أيضاً: قائد “قسد“: دعوة أوجلان لإلقاء السلاح موجهة لـ“العمال الكردستاني” وليس لقواتنا – 963+
ما الذي تعنيه هذه التحولات لسوريا؟
يرى مراقبون أن وقف إطلاق النار بين “حزب العمال الكردستاني” وتركيا قد يكون له تأثيرات مباشرة على الأوضاع في سوريا، لا سيما في شمال شرقي البلاد. فقد يؤدي ذلك إلى: “تخفيف التوترات العسكرية وتقليل العمليات العسكرية التركية في سوريا، مما قد يوفر استقراراً نسبياً للمناطق التي تسيطر عليها قسد”.
كما قد يسهم ذلك في “إعادة تقييم التحالفات، فقد تضطر “قسد” إلى إعادة النظر في تحالفاتها وتوجهاتها السياسية، خاصة في ظل تحولات الموقف التركي، وربما تساهم في تعزيز جهود التسوية السياسية فقد تشجع هذه التطورات على التوصل إلى تفاهمات أوسع تشمل مختلف الأطراف السورية”، وفق مراقبين.
وثمّن نصر الدين إبراهيم، سكرتير الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، أي مبادرة تؤدي إلى حل القضية الكردية في تركيا، مؤكداً أن السلام هو المفتاح الأساسي لذلك.
وأشار إبراهيم في تصريحات لـ”963+” إلى أن المسؤولية تقع الآن على عاتق الحكومة التركية للقبول بعملية سلام حقيقية تضمن حلاً مستداماً، يستند إلى الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي.
وشدد إبراهيم على أن تقرير المصير في تركيا شأن مشترك بين الكرد والشعب التركي، وأن أي تقدم في هذا المسار ستكون له انعكاسات إقليمية واسعة. كما أكد على إيمانه بـ”الحلول السلمية للقضية الكردية في سوريا، رغم أن سياسات القمع دفعت الكرد في روجآفا إلى الدفاع عن أنفسهم”.
“القضية الكردية تتجاوز حدود تركيا”
أكدت المحامية أويسل، على أن القضية الكردية بطبيعتها تتجاوز الحدود التركية، إذ تمثل قضية إقليمية ذات تأثير واسع.
وترى أويسل أن “انعكاسات رسالة أوجلان قد تشمل تغييرات كبيرة في سياسات كل من حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، خصوصاً فيما يتعلق بوقف العمليات العسكرية”. وأضافت أن “تركيا، التي تسعى لترسيخ صورتها كدولة ذات بعد أوروبي قوي، لا تزال متداخلة في أزمات الشرق الأوسط، ما يجعل تبنيها نهج السلام بدلاً من النزاعات ضرورة إقليمية”.
وصرح سري سريا أوندر، نائب رئيس البرلمان التركي، بأن الأشهر الثلاثة المقبلة ستشهد اجتماعات مكثفة بين المسؤولين الحكوميين والسياسيين، مما قد يفتح المجال لتفاهمات أوسع بشأن العملية السياسية. وقال أوندر في تصريحات لوكالة آنكا الإخبارية التركية: “نتوقع أن يتم تصحيح الكثير من الأمور خلال الأشهر القادمة”، في إشارة إلى إمكانية إجراء تغييرات جوهرية في نهج الدولة التركية.
وأثارت دعوة أوجلان اهتماماً دولياً واسعاً، حيث وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنها “بريق أمل” لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود. كما اعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة تاريخية لتحقيق السلام في تركيا، بينما أكد “حزب العمال الكردستاني” أنه مستعد لمناقشة الدعوة، لكنه شدد على ضرورة ضمان تحسين ظروف اعتقال أوجلان كجزء من أي عملية سلام.