زار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني يوم الإثنين الماضي، العاصمة التركية أنقرة، تزامناً مع وجود وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هناك وإجرائه محادثات مع نظيره التركي هاكان فيدان بشأن سوريا، وتحدثت وسائل إعلام روسية عن قمة روسية سورية تركية بين الوزراء الثلاثة، ما أعاد الحديث بشأن إمكانية عودة روسيا كلاعب أساسي على الساحة السورية وإمكانية رؤية “مسار أستانا” بصبغة جديدة لكن بغياب إيران.
وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع فيدان: “لقد أعربنا عن ارتياحنا لمستوى التعاون بين بلدينا بشأن القضية السورية، وأكدنا اهتمامنا المتبادل بإعطاء زخم للعمل المشترك لحل الوضع في ذلك البلد، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق الجديدة”، مشيراً إلى أن “الجانبين الروسي والتركي متفقان على أهمية ضمان وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة على كامل الأراضي والعيش بسلام مع جيرانها”.
اقرأ أيضاً: الشرع يزور الأردن في ثالث زيارة خارجية له.. ماذا على طاولة البحث؟
وكانت قناة “روسيا اليوم” الروسية، قد ذكرت يوم الإثنين الماضي، أن لقاءً سيجمع بين لافروف ونظيريه السوري أسعد الشيباني، والتركي هاكان فيدان، بالعاصمة التركية أنقرة، موضحةً أنه يأتي في إطار دور الوساطة الذي تلعبه تركيا بين موسكو ودمشق، إلا أنه لم يصدر أي تعليق رسمي من الأخيرتين أو من جانب أنقرة بشأن اللقاء.
البحث عن توازن قوى في سوريا
هذه التحركات، تعيد إلى الواجهة الحديث عن عودة روسيا للعب دور أساسي وبارز على الساحة السورية، في إطار ما يراه مراقبون محاولة دمشق ومن ورائها أنقرة، إيجاد نوع من توازن القوى في سوريا، من أجل تخفيف الضغوط التي قد تمارسها بعض الدول تجاه الإدارة السورية الجديدة.
يقول الدكتور رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، إنه “يمكن رؤية عودة روسية للساحة في سوريا لأسباب عديدة، أولها الحضور العسكري الروسي الذي لا يزال متواجداً رغم تراجعه، ثانيها التفاهمات مع تركيا والرغبة بالوصول لتفاهمات مع الإدارة السورية الجديدة، إلى جانب الحضور الأميركي القوي والتهديدات الإسرائيلية، وعليه فإن الإدارة الجديدة تسعى لإيجاد توازن إقليمي ودولي على الساحة السورية”.
مصلحة تركية
ويشير في تصريحات لموقع “963+”، إلى “وجود مصلحة لدى الطرف التركي في إيجاد طرف يشاركه رؤيته لسوريا ويكون موجود على الأرض، ويمكن أن يكون عنصر توازن مع الجانب الأميركي والإسرائيلي”.
من جانبه، يعتبر الباحث في مركز “جسور” للدراسات عبد الوهاب عاصي، المقيم في تركيا، أن “عودة روسيا إلى سوريا تبدو رغبة مشتركة لدى تركيا والسلطة السورية الجديدة، والدول العربية وخاصةً دول الخليج”.
اقرأ أيضاً: هجوم إسرائيلي غير مسبوق على دمشق.. ما الذي تريده تل أبيب؟
ويرى في تصريحات لموقع “963+”، أن “دمشق ربما تنظر للوجود الروسي في سوريا على أنه ضرورة لخلق توازن في القوى لاسيما مع تنامي التهديدات الإسرائيلية وغياب العروض الفعالة للتسليح وإعادة بناء الجيش السوري، واحتمال حصول تباطؤ في رفع العقوبات عن البلاد”.
ويشير عاصي، إلى أنه “لا توجد معلومات دقيقة بشأن عقد اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا في أنقرة، إنما عقد اجتماع ثنائي سوري تركي، ومع ذلك هناك اعتقاد أن أنقرة تسعى للتقريب بين موسكو ودمشق، لمناقشة قضايا التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي”.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قد قال الأسبوع الماضي، خلال كلمة ألقاها أمام مجلس الدوما: “لقد خططنا لإجراء اتصالات أخرى رفيعة المستوى مع زملائنا السوريين خلال الفترة القادمة”، مضيفاً أن “السلطات السورية الجديدة تؤكد علناً ضرورة احترام الطبيعة الاستراتيجية والتاريخية لعلاقاتنا”.
وجود اقتصادي روسي
المستشار السياسي مصطفى خالد المحمد، المقيم في العاصمة الروسية موسكو، يؤكد أن “اجتماعاً بين روسيا وتركيا وأحمد الشرع، عقد في إدلب قبل بدء عمليات ردع العدوان ضد نظام بشار الأسد، وعليه فإن روسيا لم ولن تخرج من سوريا، وما يؤكد وجود تنسيق بينها وبين تركيا هو الاجتماع الذي عقد قبل يومين في أنقرة بين وزير خارجيتها سيرجي لافروف ونظيره التركي هاكان فيدان”.
ويقول في تصريحات لـ”963+”، إن “رئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع، يحاول إيجاد توازن بالقوى بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، ورسيا وتركيا والصين من جهة أخرى، لكي لا يسمح لدول معينة بالضغط على إدارته”، معرباً عن اعتقاده أن الوجود الروسي سيقتصر على الاتفاقيات الاقتصادية وسينحصر دور موسكو بقاعدة حميميم وميناء طرطوس”.
لا “أستانا” جديدة في سوريا
وبشأن إمكانية إعادة إنتاج “صيغة أستانا” بشأن سوريا لكن بشكل جديد، قال عاصي، إن “صيغة أستانا انتهت لغير رجعة والحديث الآن فقط عن تعاون بغرض إعادة تشكيل العلاقات السورية الروسية”.
اقرأ أيضاً: دمشق وموسكو تتفاوضان.. ما شكل التواجد الروسي ومداه في سوريا؟
وبحسب العلي، فإن “ما هو موجود حالياً لا يعتقد أنه يشبه مسار آستانا، حيث أن الوجود الروسي سيكون هذه المرة عبارة عن رؤية مشتركة مع الجانب التركي أكثر منه تقاسماً للنفوذ العسكري كما كان في آستانا”، معتبراً أن “الإدارة السورية لها مصلحة بالوجود الروسي بأن لا تعطى جميع الأوراق للولايات المتحدة”.
ويرى، أن “الإدارة السورية الجديدة تريد التفاهم مع الحضور الأميركي، وبناء شبكة من العلاقات تؤدي إلى حالة من التوازن، حيث أن الإدارة الأميركية تفرض عقوبات “قيصر” على سوريا التي تمنع أي تقدم نحو تحسين الوضع الاقتصادي، بما في ذلك العقوبات على البنك المركزي وعزل سوريا عن نظام “سويفت”، إلى جانب دعم واشنطن لقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، إلى جانب أن التوسع الإسرائيلي بسوريا الذي لم يكن ليتم لولا موافقة الولايات المتحدة”.
يلفت رامي خليفة العلي، إلى أن “عودة تأثير روسيا في سوريا سيكون مثار قلق للدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة، لكن هناك تغير في المشهد الدولي بعد وصول ترامب للسلطة، حيث يمكن الحديث عن دفء بالعلاقات بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسط غياب للدور الأوروبي، لذلك القلق من عودة روسيا لن يكون ضاغطاً على الإدارة السورية الجديدة”.
وبحسب عاصي، فإنه “لا يبدو أنه لدى الولايات المتحدة موقف يعارض عودة روسيا إلى سوريا، بخلاف الاتحاد الأوروبي الذي وضع هذا الملف على طاولة المفاوضات مع دمشق خلال الزيارات المتتابعة لوزراء خارجيته، إلا أن السلطة الجديدة بعثت برسائل بأن علاقاتها الخارجية تقوم على الانفتاح والتوازن، وعليه فإن إقامة علاقات قوية مع روسيا ممكن أن تحصل شرط ألا تخل بالعلاقات مع الغرب”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أجرى في الثاني عشر من شباط/ فبراير الجاري، اتصالاً هاتفياً مع رئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، تباحثا خلالها بشأن الأوضاع في سوريا.
وقالت الرئاسة الروسية في بيان، أن الرئيس الروسي “أكد دعمه لوحدة وسيادة وسلامة أراضي الدولة السورية، وأن موسكو مستعدة لمواصلة المساعدة في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية”، حيث اتفق الجانبان على مواصلة الاتصالات لتطوير التعاون الثنائي.