تتوغل إسرائيل تارة في الأراضي السورية، وأخرى تهدد البلاد، ولم تتوقف التعديات الإسرائيلية منذ سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وسيطرت على مناطق هامة في البلاد.
ويعتبر جبل الشيخ الاستراتيجي أهم البقاع الجغرافية التي استولت عليها تل أبيب، والذي بنت فيه قاعدة عسكرية، تقول تصريحات من مسؤوليها إنها ستخليها مستقبلاً فيما تتحدث أخرى عن اتخاذها قواعد طويلة الأمد.
ولم تتوقف التعديات الإسرائيلية على التوغل في أراضي القنيطرة ودرعا، بل تطورت إلى حد رفض تواجد سلاح في جنوبي البلاد، في تصريحات اعتبرها سوريون تدخلاً بشؤون بلادهم.
والأحد الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب لن تسمح للقوات العسكرية التابعة للإدارة الانتقالية في سوريا بالدخول إلى جنوبي البلاد. معتبراً أن حماية المناطق الجنوبية في سوريا “مسؤولية إسرائيلية”، لن تسمح تل أبيب لأحد المساس بها.
وطالب بأن تكون المناطق الجنوبية في سوريا “منزوعة السلاح بالكامل”، مشيراً إلى خطط إسرائيلية للبقاء لفترة إضافية في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في ريف محافظة القنيطرة.
اقرأ أيضاً: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الإمارات في سوريا؟
تلك التصريحات اعتبرها سوريون أنها “تدخل سافر بالشأن السوري الداخلي، وتهديداً لسلامة البلاد”، وقال عماد البطين، رئيس مجلس شورى إحدى مدن ريف درعا لموقع “963+”، إن “تصريحات نتنياهو تمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، وأن أن أهالي الجنوب لن يقبلوا أي ترتيبات تفرض عليهم من الخارج”.
وأضاف: “ننتظر موقفاً واضحاً من الحكومة السورية الجديدة تجاه هذه التهديدات”، مشيراً إلى أن “الاستقرار في جنوبي سوريا مرهون بإرادة أبنائه وليس بقرارات تملى عليه من الخارج”.
فرض واقع جديد
يقول بشار علي الحاج علي، ديبلوماسي سوري سابق، يقيم في النمسا، لـ”963+”، إن إسرائيل تسعى إلى فرض معادلة جديدة في الجنوب السوري تخدم مصالحها الأمنية والاستراتيجية. فهي تحاول ترسيخ سيطرتها على المنطقة العازلة، ومنع أي قوة معادية من التمركز هناك.
كما تعمل إسرائيل على إضعاف الدولة السورية ومنعها من استعادة سيادتها الكاملة. وبعد سقوط نظام الأسد وخروج إيران من سوريا، تجد إسرائيل فرصة لإعادة رسم الحدود الجيوسياسية وفقاً، لمصالحها، سواء عبر الاحتلال المباشر أو فرض أمر واقع سياسي وأمني، بحسب الحاج.
ويضيف: “في الوقت نفسه، لا يمكن فصل هذه التحركات عن الأوضاع الداخلية لحكومة الاحتلال، التي تواجه أزمة سياسية عميقة يسعى نتنياهو إلى تصديرها نحو الخارج. فمع تزايد الغضب الشعبي في إسرائيل والانقسامات السياسية، يحاول نتنياهو استغلال الملف السوري لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية، خاصة مع تصاعد الأصوات التي تطالب بمحاكمته بسبب الكارثة التي تسبب بها في غزة، والتي أظهرت فشله في تحقيق أي إنجاز استراتيجي رغم الدمار الهائل الذي ألحقه بالقطاع”.
اقرأ أيضاً: فوضى السلاح تحصد أرواح الأبرياء في درعا جنوبي سوريا
بينما يقول عصمت منصور، صحفي متخصص في الشأن الإسرائيلي، لـ”963+”، إن لإسرائيل أطماع استعمارية في الأراضي السورية، حيث سيطرت على جبل الشيخ الاستراتيجي، وفيه تبحث عن تعزيز مواقعها عسكرياً، كما أنها تحاول جعل عودة هضبة الجولان، أمر مستحيل حيث دخلت أمر واقع جديد.
ويضيف أن التغيير في سوريا لم يرق لها، حيث تتخوف من ماضي الجماعات التي سيطرت على الحكم في دمشق عقب إسقاط نظام بشار الأسد، كما أن تحالف الإدارة السورية الجديدة مع تركيا، وهذا يمثل تحدياً استراتيجياً، كذلك تركيبة هذه الإدارة لا تريحها.
ويرى أن إسرائيل تبحث عن منطقة عازلة في سوريا، حيث تتخوف من سيناريو 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولا ترغب بتكرار المباغتة وإبقاء المواجهة في سوريا. كما أن تل أبيب ترغب بالتواجد في سوريا لتقسيمها وإضعافها عبر التواصل مع أقليات، بحسب منصور.
استغلال صمت دمشق
قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنه “ليس واضحاً ما إذا كانت الإستراتيجية الدفاعية الإسرائيلية لحماية الحدود ستُنفذ”.
في حين يرى الحاج علي: أن “الإدارة السورية أمام عدة خيارات، أولها تعزيز الوجود العسكري والسيادي في الجنوب لمنع الاحتلال من فرض مناطق نفوذ جديدة. ثانياً، تحريك الملف دولياً، حيث إن أي محاولة إسرائيلية لتغيير الحدود تستوجب رداً ديبلوماسيًا قوياً. ثالثاً، يمكن تفعيل المقاومة الشعبية، فوجود بيئة محلية رافضة سيجعل الاحتلال الإسرائيلي مكلفًا وغير مستدام”.
كما يمكن الاستفادة من التوازنات الإقليمية والدولية، خصوصاً أن المرحلة الحالية تشهد تغيراً في الأولويات الدولية فيما يخص سوريا والمنطقة، بحسب الديبلوماسي السوري.
اقرأ أيضاً: “داعش” يطلّ برأسه.. هل يستغل الأوضاع في سوريا لترتيب صفوفه؟
ويضيف: “هذا الصمت لا يعني غياب الموقف، بل قد يكون نابعاً من قراءة دقيقة للوضع الراهن. أي مواجهة غير محسوبة قد تمنح إسرائيل مبرراً لتوسيع تدخلها، خاصة في ظل محاولاتها لاستغلال الوضع السوري لتحقيق مكاسب استراتيجية. لكن هذا لا يعني أن الإدارة السورية ستبقى صامتة إلى الأبد، بل قد يكون هناك تحرك مدروس في الوقت المناسب”.
ويشير منصور إلى أن الإدارة السورية الجديدة لا ترغب بالتصعيد مع إسرائيل، وبالتالي مواجهة مع أميركا تؤدي إلى استنزافها، وتعتقد دمشق أن الصمت سيقلل من الضغوط الإسرائيلية، لكن ذلك لا يجب أن يدفعها للصمت، لأن إسرائيل تتخوف من هذه الإدارة وارتباطاتها، وتشكك في مدى قدرتها بالسيطرة على جميع الأراضي السورية.
حذر واستعدادات إسرائيلية
مع سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، أرسلت إسرائيل قوات إلى المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان في جنوب غربي سوريا عند تخوم الهضبة التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وضمتها في 1981. ونددت عدة دول عربية، بينها مصر والسعودية والإمارات والأردن، بما وصفته باستيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة في هضبة الجولان.
ويلفت الحاج علي إلى أن إسرائيل قد تحاول تنفيذ تهديداتها عبر الغارات والضغوط السياسية، لكنها تدرك أن الوجود العسكري السوري في الجنوب بات جزءاً من استعادة الدولة لسيادتها، وليس مجرد تفصيل يمكن تغييره بسهولة. أما القواعد التي أنشأتها مؤخراً، فهي ليست بمنأى عن التطورات الميدانية، وقد تجد إسرائيل نفسها أمام تحديات غير متوقعة في حال تغيرت قواعد الاشتباك.
وتعمل القوات الإسرائيلية حالياً في سبع قرى في الجولان السوري، بعضها خارج القنيطرة. وتعتزم تلك القوات البقاء في المنطقة حتى يتسنى تسليمها إلى “كيان دولة قائم ومحدد لمنع الجماعات الإرهابية” من السيطرة.
ويتابع: أن “إسرائيل تحاول ترسيخ وجودها في المنطقة العازلة، لكنها تواجه تحدياً دولياً في هذا السياق. أما فكرة إنشاء منطقة عازلة جديدة، فهي احتمال قائم، خاصة إذا وجدت إسرائيل أن الظروف تسمح لها بذلك. ومع ذلك، فإن أي محاولة لفرض واقع جديد لن تكون سهلة، نظراً لتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، ورفض السوريين لأي تغيير في حدودهم وسيادتهم الوطنية”، وفق رأيه.
اقرأ أيضاً: إحصاء سكاني وعروض عمل مغرية.. ماذا تخطط إسرائيل للقنيطرة؟
ولا يستبعد منصور بأن تنفذ إسرائيل تهديداتها في سوريا، خاصة إذا ما شعرت بخطر، كونها تعد سوريا حجر أساس في المنطقة، مضيفاً أنها لن تنسحب من القواعد في الوقت الحالي، إلا ضمن ترتيبات معينة قد تُفرض عليها، ويمكن أن تمنحها تلك القواعد أوراق تفاوضية مستقبلاً.
ويلفت إلى أن المنطقة العازلة ستبقى، طالما بقي الوضع السوري على حاله، وإذا ما نجحت سوريا بالسيطرة على جميع أراضيها، فإن إسرائيل ستعيد النظر بالمناطق التي استولت عليها، أما في حال طالت مدة الفترة الانتقالية، فذلك قد يمنح إسرائيل فرصة لتعدل حدودها على سوريا، ولن تخرج منها إسرائيل وستمزق سوريا وستعقد تحالفات مع أجزاء منها.
ونقلت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن مصدر مطلع تأكيده أن منسق الحكومة في الضفة الغربية اللواء غسان عليان التقى قيادات درزية سورية “لتعزيز العلاقات”، وذلك بعد يوم من تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”عدم التسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا”.
بدوره، قال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال مشاركته في مؤتمر الحوار الوطني السوري اليوم، إن سوريا لا تقبل القسمة فهي كل متكامل، وذلك بعدما اجتمع مساء أمس الاثنين، مع وجهاء وأعيان من الطائفة الدرزية.
وكانت وسائل إعلام عبرية زعمت أن “إسرائيل تخطط لاستقدام عشرات العمال السوريين للعمل في قطاعات البناء والزراعة داخل القرى الدرزية بالجولان في إسرائيل في المرحلة الأولى، وذلك استجابة لطلب قدمه قادة المجالس المحلية الدرزية إلى الجيش الإسرائيلي لمساعدة أقاربهم في الجانب السوري بعد تدهور الأوضاع هناك عقب سقوط نظام بشار الأسد”.