في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية والسياسية، بدأت السلطات الإسرائيلية مؤخراً عملية إحصاء لعدد السكان في محافظة القنيطرة، الواقعة جنوب غربي سوريا، بالقرب من الجولان المحتل. وتزامن هذا الإجراء مع مقترح إسرائيلي يسمح لأصحاب المهن من سكان القنيطرة بالعمل داخل الأراضي الإسرائيلية وفق نظام “اليوم الواحد”، حيث يمكنهم دخول مناطق العمل صباحاً والعودة مساءً إلى منازلهم.
ووفقاً لمصادر محلية لـ”963+”، يشمل العرض الإسرائيلي منح فرص عمل لأصحاب المهن مثل العمال والفنيين داخل المدن الإسرائيلية القريبة، مقابل رواتب تفوق بكثير متوسط الأجور في سوريا. وتتضمن التسهيلات تصاريح دخول وخروج، ووسائل نقل منظمة وآمنة، في خطوة تهدف إلى استقطاب الكفاءات المهنية من القنيطرة.
وتزامناً مع هذه الإجراءات، قامت إسرائيل بإجراء دراسة لاحتياجات سكان معظم مناطق القنيطرة، وطلبت من الأهالي تحديد متطلباتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء والمستلزمات الأخرى. ويرى بعض الأهالي أن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، في حين يعتبرها آخرون جزءًا من محاولات إسرائيلية لتعزيز نفوذها في المنطقة.
آراء متباينة بين سكان القنيطرة
أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة بين السكان؛ فبينما يرى البعض فيها فرصة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية المتدهورة، يرفضها آخرون رفضًا قاطعًا، معتبرين أنها محاولة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
أحمد القرطاوي، أحد سكان القنيطرة، قال لـ”963+”: “عرض العمل داخل الأراضي الإسرائيلية مغرٍ، لكننا نرفضه تماماً. إسرائيل تحاول فرض سيطرتها علينا، ولن نقبل أن نصبح تابعين لها، مهما كانت الإغراءات”.
من جهته، صرح جعفر الأكتع، وهو عامل في القنيطرة، قائلاً لـ”963+”: “إذا كنت تبحث عن تحسين وضعك المالي، فهذا هو الخيار الأفضل حاليًا. الأجور التي يعرضونها تتجاوز بكثير ما نحصل عليه في سوريا. لكنني أخشى أن تكون هذه البداية لمخطط أكبر قد يغير واقعنا بالكامل.”
كما تحدثت زهرة العلي من القنيطرة لـ”963+” قائلة: “إسرائيل تقدم لنا المساعدات وتجمع احتياجاتنا، لكنها تستفيد من ذلك أكثر منا. نحن بحاجة إلى دعم من وطننا، وليس من جهة أجنبية تريد السيطرة على حياتنا”.
الضغط الاقتصادي والعروض الإسرائيلية
رغم الاتجاه العام الرافض للتعامل مع العروض الإسرائيلية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في القنيطرة تدفع بعض الأهالي للتفكير جدياً في قبول هذه الفرص، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا وندرة فرص العمل داخل المنطقة.
في هذا السياق، قال هاني البرغوثي لـ”963+”: “نعيش في وضع اقتصادي صعب جداً، وأحياناً نضطر للتفكير في الخيارات المتاحة، مهما كانت. لكن هذا لا يعني أننا نؤيد ما تقوم به إسرائيل”.
أهداف إسرائيلية محتملة
يرى بعض سكان القنيطرة أن هذه العروض قد تكون جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية مع المناطق الحدودية السورية، ما قد يؤدي إلى خلق واقع جديد يزيد من تبعية بعض الفئات المحلية لإسرائيل. ويُعتقد أن تل أبيب تسعى من خلال هذه الخطوة إلى كسب تعاطف سكان المنطقة وتخفيف التوترات في محيط الجولان المحتل.
وحتى اللحظة، لم تصدر الحكومة السورية أي تعليق رسمي حول هذا المقترح أو الإحصاء السكاني الذي تجريه إسرائيل في القنيطرة. إلا أنه من المرجح أن تعتبر دمشق هذه الخطوة انتهاكًا لسيادتها ومحاولة غير مشروعة لفرض واقع جديد على الحدود.
وفي هذا السياق، صرّح المتحدث الرسمي للجنة التحضيرية للحوار الوطني، حسن دغيم، خلال مؤتمر صحفي عُقد في دمشق: “ما تقوم به إسرائيل هو تجاوز واضح لكل القوانين الدولية ومحاولة لفرض أجنداتها في المناطق الحدودية. الشعب السوري لن يقبل بهذه الإملاءات بأي شكل من الأشكال”.
ووسط هذه التطورات، يجد سكان القنيطرة أنفسهم أمام خيارات صعبة، حيث تتجاوز القضية مجرد فرص العمل إلى اعتبارات تتعلق بالهوية والسيادة الوطنية. ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح إسرائيل في تمرير هذه الخطوة، أم ستواجه رفضاً شعبياً وسياسياً يعوق تنفيذها؟