وسط التطورات التي تشهدها سوريا منذ إسقاط نظام بشار الأسد مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يبقى ملف قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ومفاوضاتها مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع تتصدر المشهد، في ظل غموض يكتنف هذا الملف رغم التصريحات الإيجابية من الطرفين، وبدء دمشق استجرار الغاز والنفط من مناطق شمال وشرق البلاد الخاضعة لسيطرة “قسد”.
المتحدث باسم وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة تصريف الأعمال السورية أحمد السليمان، أعلن السبت الماضي، أن الوزارة وقعت عقداً لاستجرار النفط من الحقول التي تديرها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، إلى مصافي التكرير في الداخل السوري، موضحاً أن عمليات الاستجرار تأتي بموجب اتفاق سابق تم تعديل بعض بنوده ولكميات معينة، بحسب ما نقلت وكالة رويترز.
اقرأ أيضاً: نتنياهو: لن نسمح للقوات العسكرية السورية بالدخول إلى جنوبي البلاد
وسبق ذلك، إعلان السليمان في 16 شباط/ فبراير، عن توقيع عقد مبدئي لاستجرار الغاز الطبيعي من مناطق شمال شرقي البلاد، يتضمن كميات تبلغ نحو 500 ألف متر مكعب من الغاز يومياً، تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية ضمن المحطات الحرارية، موضحاً أن حجم الاستجرار سيتم تحديده وفقاً لإنتاج الآبار وحاجة الشبكة الكهربائية.
وكان القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، قد قال يوم الجمعة الماضي خلال لقاء مع صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن “قسد جزء من سوريا وتسعى للحفاظ على وحدة البلاد”، مضيفاً أن المحادثات مع الإدارة السورية الجديدة كانت إيجابية، وأن الطرفين اتفقا على تشكيل لجنتين تقنيتين للتنسيق العسكري والمدني، وأن قسد لديها رؤية مختلفة حول تفاصيل وآليات المرحلة الانتقالية.
وذكر عبدي، أن “التدخل التركي يعرقل المفاوضات مع الإدارة السورية، وأن أنقرة تسعى لإضعاف موقف قسد خلال المحادثات”، مشيراً إلى أن قوات سوريا الديموقراطية تتفق مع الإدارة الانتقالية أن شمال وشرق البلاد جزء من الجغرافية السورية الموحدة.
مصالح مشتركة وقضايا عالقة
يقول الكاتب السياسي السوري آلان بيري المقيم بالعاصمة النمساوية فيينا، إنه “يمكن القول إن الطرفين (الإدارة السورية وقسد) باتا يعلمان جيداً أين يمكن أن تقع المصالح المشتركة، والتي ستفضي في النهاية إلى تمهيد الطريق أمام حل سياسي شامل، مرفق بالاستقرار والسلام المستدامين”.
اقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية والإصلاحات السياسية.. مطالب السوريين في جلسات الحوار الوطني
ويؤكد في تصريحات لموقع “963+”، أنه “من المبكر الحديث الآن عن وجود توافق شامل على كامل القضايا العالقة بين الطرفين بعد سقوط نظام بشار الأسد، مثل قضية شكل الدولة الجديدة، حيث أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تطرح اللامركزية وتتمسك بهذا المطلب، في حين أن الحكومة المؤقتة لا تتطرق إلى هذه الإشكالية الهامة، وكأنها برفضها ذلك تريد الإبقاء على سوريا دولة مركزية”.
البحث عن حل سياسي وتجنب الصدام
من جانبه، يعتبر الباحث السياسي يمان دابقي المقيم في إسطنبول، أن “اتفاق استجرار النفط والغاز بين قسد والإدارة السورية الجديدة، جاء على ما يبدو بعد تعثر حصول الأخيرة على مكاسب فيما يتعلق بالشروط التي وضعتها، وتباين الآراء بين الجانبين”، ويؤكد في تصريحات لـ”963+”، أن “حكومة دمشق تريد حل الملف مع قسد سياسياً وتجنب عمل عسكري يثير حفيظة الولايات المتحدة التي لم يصدر عنها حتى الآن أي موقف واضح”.
ويشير إلى أنه “ليس من السهل حل هذا الملف لأنه ملف دولي في ظل وجود الأمريكيين والفرنسيين ودخول العراق وإقليم كردستان العراق، كما أنه يبدو أن دمشق بحاجة لتجزئة الملفات والحصول على مكاسب أولية مثل ملف النفط”.
ما هي أوراق قوة “قسد” ودمشق
ويرى أن “أوراق القوة لدى قسد هي حمايتها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً، وهي تحاول كسب الوقت وانتظار ما سيقرره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما تمتلك دمشق أوراق قوة تتمثل بالانفتاح العربي والدولي عليها وهي تعمل على نفس طويل، بموازاة ممارسة عبر قنوات خلفية تحركات لتشكيل موقف عربي وأوروبي ضاغط على واشنطن لرفع الغطاء عن قسد، إضافةً لإجراء مشاورات مع تركيا لملء الفراغ وإدارة السجون شمال شرقي البلاد”.
وكان عضو مجلس سوريا الديموقراطية (مسد) عبد الوهاب خليل، قد أكد لموقع “963+” قبل يومين، أن “قسد دائماً تطرح مسألة الاندماج بالجيش السوري، إلا أن هذا الاندماج لا يعني الانصهار بل تشكيل قوة ضمن قوة أخرى، وأنه يجب أن يتضمن إيجاد خصوصية لـ”قسد” وأن تكون ضمن مناطق شمال شرق سوريا، وحامية لهذه المناطق ولأبناء سوريا بشكل عام، إلى جانب الاعتراف بأنها كانت القوة الفاعلة في محاربة “داعش”.
اقرأ أيضاً: مظلوم عبدي يهنئ أحمد الشرع بالرئاسة: خطوة جديدة ورؤية مرحلية
وذكر، أن “جميع هذه المسائل يتم تحديدها عبر لجان مختصة على طاولة حوار واحدة بعيداً عن الأجندات الخارجية”، مؤكداً أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، و”قسد” و “مسد”، جميعها تطالب بسوريا تعددية لا مركزية، وإيجاد دستور توافقي يكتبه جميع السوريين، والتأكيد على دولة المواطنة التي تكون الطائفة الوحيدة فيها هي الهوية الوطنية.
وبشأن سيناريوهات المفاوضات والمشهد بين الإدارة السورية الجديدة و”قسد”، يعتبر بيري، أنه “عندما يتعلق الأمر بالتساؤلات التي تمتد للمستقبل، لا يمكن ولا يصح تقديم إجابات جازمة، لكن يمكن طرح سيناريوهين اثنين، أفضلهما هو اتفاق بين الطرفين بطريقة تضمن مصالحهما وما ناضلا من أجله، مع احترام الأطراف الدولية والإقليمية لهذا الاتفاق”.
ويشدد أن “الاحتمال الثاني وهو الأسوأ، هو تعثر المفاوضات بين الجانبين لأسباب داخلية أو نتيجة ضغوط وتأثير دول إقليمية كتركيا على سبل المثال، مما يؤدي إلى بقاء سوريا في حالة أزمة وحرب باردة دون إحراز أي تقدم ملحوظ بعد سقوط نظام الاستبداد”.
وبشأن مستقبل المفاوضات بين الجانبين، يرى دابقي، أن “تكون هذه المفاوضات طويلة ومستمرة، ومفتاح حل هذا الملف بيد تركيا والولايات المتحدة، إلى أن جانب الرغبة الأوروبية بحل هذا الملف سلمياً”، مشيراً إلى أن “سوريا نقطة تقاطع مصالح بين الجميع على ساحة الصراع الجيوسياسي بين روسيا وأميركا والدول الأوروبية، وعليه فإن الملف دولي بالكامل”.
والأسبوع الماضي، دعا القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، رئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع لزيارة مناطق شمال وشرق البلاد، وهنأه بتوليه رئاسة سوريا للمرحلة الانتقالية، معرباً عن أمله في أن يقود البلاد في هذه المرحلة “الحساسة”.
وكان المركز الإعلامي لـ”قسد”، قد أصدر الأسبوع الماضي، بياناً كشف فيه عن نتائج الاجتماع الثلاثي بين “قسد” و “مسد” و “الإدارة الذاتية” بشأن العملية السياسية السوية والمفاوضات مع الإدارة الجديدة.
وقال البيان، إن الاجتماع شدد على “أهمية الحوار القائم مع دمشق حتى الآن، وضرورة إنجاحه، مع إيجاد حلول للجزئيات والقضايا قيد النقاش عبر التوصل إلى آلية تنفيذ مناسبة، لا سيما فيما يتعلق بدمج المؤسسات العسكرية والإدارية، عودة المهجرين قسراً إلى مناطقهم الأصلية، وغيرها من القضايا الخلافية”.