لم يكن أنور العودة الله يتوقع أن يفقد ابنه في لحظة عبثية، لكن الفوضى الأمنية التي تعيشها درعا، جنوبي سوريا، جعلت من المآسي اليومية أمراً معتاداً. يقول لموقع “963+”: “فقدت ابني في 18 كانون الثاني/ يناير 2025، بسبب قنبلة يدوية كان صاحبه يعبث بها. الولد كان صغيراً ولم يكن يعرف خطورة هذا الشيء الذي كان يحمله. كانت لحظة لن أنساها طوال حياتي، رأيت ابني يسقط أمامي ولم أستطع أن أفعل شيئاً”، بهذه الكلمات الموجعة روى أنور مأساته، معبراً عن الخوف الذي يعيشه أهالي درعا يومياً بسبب انتشار السلاح.
ومنذ سقوط النظام السوري في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2024، دخلت محافظة درعا في مرحلة من الفوضى الأمنية التي جعلت من حياة المدنيين أشبه بكابوس يومي. لم يكن سقوط النظام إيذاناً بالاستقرار، بل فتح الباب أمام حالة من الانفلات الأمني، حيث غابت المؤسسات الرسمية عن أداء دورها، وتحولت المدينة إلى ساحة لصراعات مسلحة عشوائية.
في هذا السياق، بات السلاح في متناول الجميع، ولم يعد وسيلة للدفاع عن النفس فقط، بل تحول إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية وحل الخلافات العائلية، ما أدى إلى تصاعد معدلات الجريمة، وارتفاع وتيرة عمليات القتل العشوائي والاغتيالات، بحسب أهالي المحافظة.
تصاعد العنف وجرائم القتل
شهدت درعا خلال الأشهر الماضية سلسلة من عمليات الاغتيال التي زادت من حالة الخوف بين السكان. من بين أبرز الضحايا، مختار بلدة الشيخ سعد، قاسم الشرع، الذي تم اغتياله بدم بارد، إضافة إلى مقتل إبراهيم القادري فور عودته إلى منزله في مدينة إزرع بعد غياب دام 14 عامًا في مصر.
وأكد أنور الحمدان، أحد سكان درعا، لـ”963+” أن “الخوف يسيطر على الجميع، حتى المشي في الشوارع أصبح مغامرة. لا توجد أي جهة مسؤولة لحمايتنا، وكل يوم نسمع عن شخص قُتل برصاصة طائشة أو انفجار قنبلة”.
وأضاف: “كل شخصين يختلفان على شيء بسيط، يُسحب السلاح مباشرة ويبدأ إطلاق النار. حتى الخلافات البسيطة بين الجيران قد تتحول إلى صراعات دامية بسبب انتشار السلاح وعدم وجود رقابة حقيقية”.
الدفاع المدني في مواجهة الأزمة
في ظل هذه الأوضاع، يعمل الدفاع المدني بإمكانات محدودة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. محمد الحوراني، أحد أعضاء الدفاع المدني، أشار في تصريحات لـ”963+” إلى أن “التحديات اليومية التي نواجهها في إنقاذ المصابين جراء انفجار القنابل أو إطلاق النار العشوائي كبيرة. إمكانياتنا محدودة، لكن عزيمتنا على حماية المدنيين لا تزال قوية رغم كل الصعوبات”.
وقال أكرم أبو ميجنا، الخبير العسكري، لـ”963+” إن “الوضع الأمني في درعا مستقر نسبياً مقارنة بما كان عليه قبل سقوط النظام البائد. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الثغرات بسبب وجود أشخاص غير مسؤولين يحملون السلاح”.
وأكد أن “الإصلاح يجب أن يبدأ من داخل المجتمع. الإبلاغ عن أي إساءة استخدام للسلاح وتشجيع الأفراد على الانخراط في صفوف الجيش أو الأمن العام يمكن أن يحد من استخدام السلاح العشوائي”.
وأشار إلى أن غياب الفصائل الأمنية الفاعلة سهّل وصول السلاح إلى أيدي ضعاف النفوس، مطالباً بتشكيل دوريات من الأمن والمجلس المحلي لجمع السلاح وضبط الأوضاع تدريجياً.
المجتمع الدولي والمسؤولية المشتركة
الحقوقي أنور الجهماني أكد أن “الوضع الراهن في درعا يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لضمان حماية المدنيين. الفوضى الأمنية لا تهدد حياة الأفراد فحسب، بل تضع مستقبل المحافظة بأكمله على المحك”.
وأضاف لـ”963+” أن “انتشار السلاح بين المدنيين أدى إلى انهيار الثقة بين أبناء المجتمع، وزيادة معدلات الجريمة بشكل ينذر بكارثة إنسانية”.
ونوه إلى أن “المجتمع الدولي يتحمل جزءًا من المسؤولية، خاصة في تقديم الدعم الفني والتقني للقوى الأمنية المحلية لضمان فرض القانون وحماية حقوق الإنسان”، مشدداً على ضرورة وضع آليات فعالة لجمع السلاح ودعم المؤسسات القضائية لضمان محاسبة مرتكبي الجرائم.
ومع تفاقم الأوضاع، يطالب سكان درعا بحلول جذرية تشمل جمع الأسلحة المنتشرة بين المدنيين، وتفعيل دور المؤسسات الأمنية المحلية بدعم من المجتمع الدولي. ويشدد الأهالي على ضرورة أن تتعامل الحكومة الجديدة بحزم مع انتشار السلاح، مع فرض آليات صارمة لضبط حيازة الأسلحة غير القانونية.