خاص – أبرار المير طه/بغداد
“كنت أتوقع أن أحصل على تعاطف الناس بعد الذي مررت به، لأني أملك الحق والأدلة، لكنني تفاجأت بردّ فعل الناس، التي اتهمتني بأني اتقاضى اموالاً مقابل التشهير وبأنني مدفوعة من جهات معينة”، بهذه العبارات اختارت رسل فاضل في أيلول/سبتمبر الماضي، نقل قضية التحرّش بها من أروقة المحاكم، التي أجلت إدانة المتحرّش ذو السلطة والنفوذ، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اختارت المواجهة معه قضائياً منذ أكثر من عام.
رسل، البالغة من العمر 28 عاماً، هي لاعبة تنس الطاولة البارالمبية، تدّرجت باللعب مع المنتخب الوطني العراقي في مختلف فئاته العمرية منذ عام 2007 إلى أن تمكنت من الفوز بجوائز كثيرة وميداليات، واختيرت لتمثيل العراق في بطولة كأس العالم في إسبانيا، واستمرت في مشوارها الرياضي ولم يثنيها عن مسيرتها وضعها الصحي الحرج، لكن تحرش مسؤول الاتحاد فعل ذلك.
المتحرّش في منصبه والضحية خارج المنتخب!
بدأ الأمر حين اُختيرت هي واثنتين من زميلاتها لتمثيل العراق في بطولة كأس العالم المقامة في إسبانيا في نوفمبر 2022، وبالفعل سافرن ثلاثتهن برفقة المدرب ورئيس الاتحاد الذي يشغل منصب النائب الأول للجنة البارالمبية على متن طائرة من مطار اسطنبول، “اختار رئيس الاتحاد الجلوس بالمقعد المجاور لي في الطائرة، وأخرج من جيبه حبة فاليوم “Valium” عرضها عليّ لأتناولها وقال لي: (حتى تنامين وترتاحين)، رفضت ذلك لأن الوصول لإسبانيا قصير ولا يتعدى الـ3 ساعات”، إضافة إلى أن الاتحاد الدولي يمنع على اللاعبات تناول الفاليوم وغيره من الحبوب المنومة والمخدرة، الأمر الذي جعلها في حالة دهشة واستغراب.
وانتقل العرض ذاته إلى اللاعبة الثانية التي كانت تجلس بالقرب منهم، والتي رفضت هي الأخرى تناولها، ولكن بعد ضغط وإلحاح شديدين تناولت رسل الحبة وغطت في النوم، لتستفيق على صوت صديقتها وهي توبخ مسؤول الاتحاد بسبب رؤيته يتلمس أجزاء من جسد صديقتها بينما كانت نائمة تحت تأثير المنوم، “كنت بمرحلة ما بين النوم واليقظة حين شعرت بيده تنتقل على أجزاء من جسدي”، تقول رسل، وتضيف “لم أعطِ ردّ فعل حينها بل تملكتني الرهبة والخوف وفور نزولي بمطار برشلونة ابلغت مدربي بما حدث، ولكن تحتم عليّ الانتظار حتى نهاية البطولة لاتخاذ إجراء بحقه”.
بعد أيامٍ من تلك الحادثة، وقبل عودتها للعراق، قدمت رسل شكوى ضدّ المتحرش لدى الاتحاد الدولي، “اتصل بي رئيس اللجنة البارالمبية فور علمه بأمر الشكوى ووعدني بإرجاع حقي بشرط سحب الشكوى، لكني رفضت سحبها قبل معرفة نتائج التحقيق، ولكني فوجئت بإهمال الشكوى بمزاعم عدم توفر أموال كافية للمضي بالإجراءات القانونية”. وبعد فترة، فتحت اللجنة تحقيقاً بالحادثة وخلصت في تقريرها المبرر والمتفق عليه مع المتحرّش، والذي حصل موقع “963+” على نسخة منه، بإدانته “جزئياً”، وتحميل الضحية جزءاً من المسؤولة على اعتبار أنها “كان بإمكانها زجره والابتعاد عنه”، بحسب ما ورد في النقطة “ب” من استنتاجات اللجنة. ولكن في المحصلة ورغم مرور أكثر من 14 شهراً على قرار الإدانة لا يزال الجاني في منصبه، بينما طردت رسل من المنتخب بتبليغ شفهي من اللجنة من دون تقديم أسباب للقرار، وبالتالي خسرت مصدر رزقها الوحيد.
وإزاء هذا القرار المجحف، اتجهت اللاعبة المحترفة إلى القضاء وأقامت دعوة قضائية بحق المتحرّش، وقدمت كذلك شكوى في وزارة الشباب والرياضة، لكن الاخيرة رفضت الشكوى، معتبرةً إياها تبلي على رئيس الاتحاد، “الوزير قال لي القضية اغلقت وانتهت. أما المدير العام فقد طردني من مكتبه”. في حين أن رسل لا تزال منذ أكثر من سنة وثلاث أشهر تحارب بأروقة المحاكم لانتزاع حقها من فكيّ منظومة تؤمّن الحماية الكاملة للمتحرشين.
نائبة سابقة تروي معاناتها مع التحرّش بعد طردها من البرلمان
للمفارقة، أنه وبالتزامن مع تعثر العدالة في قضية رسل، أصدرت رئاسة مجلس النواب العراقي في كانون الثاني/يناير الماضي، قراراً بمنع النائبة السابقة ريزان الشيخ دلير من دخول البرلمان، على خلفية تصريحها بوجود حالات تحرّش جنسي بالنائبات في مجلس النواب، وهو ما اعتبره المجلس “إساءة لأعضاء مجلس النواب”.
وفي هذا السياق، أكدت النائبة في حديث مع موقع “963+” أن “حالات التحرّش موجودة في كل مكان بالعراق، وطالما أعضاء البرلمان جزءاً من هذا المجتمع، فهم غير مستثنون منه بغض النظر عن مكانتهم. وقد يكون التحرّش بنكتة أو كلمة أو سلوك أو إيحاء بالوجه”.
وأضافت: “في بعض الأحيان لا يعلم المتحرّش بأن ما يقوم به هو سلوك تحرّش، بل يعتبرها سلوكيات طبيعية، ولكنها تكون غير ذلك بالنسبة للمرأة، لذلك فإن موضوع التحرّش ليس محدداً حتى ينكره البرلمان بهذا الشكل، بل يحتاج إلى تحقيق للبت به، إضافة إلى أن هذا النوع من القرارات هو من اختصاص القضاء وليس السلطة التشريعية المختصة بتشريع القوانين والرقابة على الحكومة، ولكننا نعيش في مجتمع ذكوري يرى فيه الرجل أنه يملك كامل الحق بفعل ما يريد ويجب على المرأة أن تقبل بذلك”.
وأوضحت الشيخ دلير: “في القانون العراقي الإعتراف سيد الأدلة. فمن يعترف على نفسه بأنه متحرّش؟ ويحتاج أيضاً لشهود للأثبات الواقعة، فمن يشهد؟ غالباً ما يحدث التحرّش بين المتحرّش والضحية فقط، لذا قانون التحرّش يحتاج لدراسة أكثر وتوعية به”. وتابعت حديثها قائلة: “هناك مقطع فيديو يظهر فيه نائب وهو يصور نائبة دون علمها، ماذا يمكن تسمية هذا الفعل غير كونه تحرّش؟”. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجت بالمقطع الذي يظهر فيه النائب باقر الساعدي وهو يصور النائبة جوان عبد الله دون علمها في احدى جلسات المجلس، ما اعتبره كثيرون تحرّشاً وتعدياً على خصوصياً.
وأضافت: “يظهر الكثير من النواب على القنوات ويتحدثون عن الأموال والسيارات، لكن المرأة تحاسب دائماً ولا يمكنها التحدث عن واقعٍ صعب تتعرض له، هذه هي العقلية الذكورية”، وتستطرد النائبة قائلة: “أنا سياسية وعندما تحدثت عن التحرّش منعت من دخول البرلمان، فهل تستطيع موظفة داخل البرلمان التحدث في حال تعرضها للتحرش من نائب؟ وأين تشتكي؟”
وختمت النائبة حديثها: “حال المرأة اليوم أسوأ ما يكون، المرأة المدنية لا تملك صوتاً والمرأة داخل المجتمع المدني لا تملك صوتاً، وكذلك الصحافية لا تستطيع الكتابة بحرية، والنائبة الضعيفة داخل مجلس النواب تجلس منتظرة رئيس كتلتها يصدر لها الاوامر وهي تقبل بها”.
القانون العراقي لا يعطي تعريفاً واضحاً للتحرّش
في هذا الإطار، أكد المحامي والخبير القانوني محمد جمعة أن “مسألة التحرّش تخضع لقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، لدينا نوعان من التحرّش: لفظي وجسدي، اللفظي هو السائد والاكثر شيوعاً وعقوبته 3 أشهر و6 اشهر في حال تكراره، أما التحرّش بأفعال فهو أي فعل يصدر من شخص بقصد التحرّش وتصل عقوبته لمدة سنة، أما التحرّش الذي يصل لمرحلة لمس الجسد فقد تصل عقوبته لخمسة او سبعة سنوات”.
وأوضح الخبير القانوني أن “القانون العراقي لم يعطِ تعريفاً واضحاً للتحرّش واكتفى بتوصيفات ذات طابع أخلاقي عند حديثه عن انواع التحرّش، مثل هتك العرض، وهو توصيف سائد بالمجتمع”.
وأشار جمعة إلى أن “مشكلة جرائم التحرّش تنقسم إلى جزئيتين، الأولى هي ثقافة الصمت الموجودة عند النساء، والجزئية الثانية تتعلق بالمجتمع نفسه القائم على القانون، وهو ابن هذا المجتمع، بالتالي يتعامل مع من تشتكي بطريقة سيئة وكأنها إنسانة غير جيدة”.
وتابع: “المشكلة هنا تكمن في الإثبات، فالمتحرّش لا يقوم بفعله أمام الناس، وحتى إن حدث ورأى الناس، فأغلبهم لن يشهد مع الضحية، فالمفترض استدعاء المشتكى عليه والتحقيق معه وبالتحقيق يتم الإثبات اذا كانت الشكوى صحيحة أم لا”، خاصة وأن قانون التحرّش الحالي يلقي عبء إثبات التحرّش على كاهل الضحية دون مراعاة لخصوصية جرائم التحرش الجسدية.
القضية تصل إلى لقب عائلتها!
والملفت في هذه القضية أن الصورة الغير النمطية التي أظهرتها رسل وهي تحارب المتحرّش ذو السلطة والنفوذ، لا تبدو بطولية للجميع، إذ يعتبرها البعض عاراً كان ينبغي السكوت عنه، مثل شيخ عشيرتها، الذي منعها من استخدام لقب العشيرة “الوائلي” لأنها تضرّ بسمعتهم، وتقول رسل معقبةً “لم يحركهم الظلم الذي طالني، لكن همهم لقب العشيرة”.
وكغيرها ممن اخترن كسر حاجز الصمت وفضح المتحرّش، الصقت بهن العديد من التهم وتم وصمهن بأفعال غير صحيحة، حيث اعتبرها البعض ومنهم الجاني بأنها “تعاني من حالة نفسية وانفصام بالشخصية بسبب حالتها الصحية”.
في المحصلة، تأتي قضية رسل لتشرعن جميع الأسئلة التي اعتقدنا لوهلة أن اجابتها واضحة، لكن نكتشف أن الواضح الوحيد هو تكرار مأساتنا وبقاء قضايانا معلقة تنتظر الانصاف، فالاسئلة تتكرر أين تلجأ الضحية؟ لمن تشتكي ومن ينصفها؟ ومن يستثنيه القانون لتحقيق العدالة؟