خاص ـ نايف البيوش /إدلب
في صباح يومه الدراسي الأول في سوريا، جلس أحمد عبد الصمد (15 عاماً) في مقعده الجديد بين زملائه في الصف التاسع، لكنه لم يكن يشعر بالألفة. حاول متابعة الدرس، لكن الكلمات المكتوبة على اللوح بدت له أشبه برموز غير مألوفة. بعد سنوات من الدراسة في تركيا، حيث كانت اللغة التركية هي السائدة في المناهج، وجد نفسه عاجزاً عن فهم تفاصيل الدرس باللغة العربية، بحسب ما يقول لموقع “963+”.
ومع عودة أعداد متزايدة من اللاجئين السوريين من تركيا، برزت مشكلة تعليمية معقدة تواجه أبناء هذه العائلات، تتمثل في ضعف مهاراتهم في اللغة العربية. فقد اعتاد معظمهم على الدراسة باللغة التركية أو الإنجليزية، ما جعلهم يعانون من صعوبة كبيرة في الاندماج في النظام التعليمي السوري الذي يعتمد بالكامل على العربية.
ويعاني الطلاب العائدون من ضعف ملحوظ في القراءة والكتابة وقواعد اللغة، وهو ما ينعكس سلبًا على استيعابهم للمناهج الدراسية.
يقول عبد الصمد لـ”963+”: “أشعر أنني متأخر عن زملائي، لا أفهم الكثير من الدروس، وأحيانًا أشعر أنني لن أستطيع اللحاق بهم”. وأضاف أنه يحتاج إلى وقت إضافي لتعويض الفجوة التعليمية، خاصة في المواد الأدبية مثل اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية، التي تعتمد بشكل أساسي على الفهم العميق للمفردات والقواعد.
معاناة أسرية وبحث عن حلول
ذوو الطلاب يواجهون بدورهم تحديات كبيرة في مساعدة أبنائهم على التأقلم مع النظام التعليمي الجديد. العديد منهم أبدوا قلقهم إزاء المستقبل الدراسي لأطفالهم، مشيرين إلى الحاجة الماسة لبرامج دعم خاصة لتعويض الفاقد التعليمي، خصوصًا في اللغة العربية.
ويقول سعيد الغريب (39 عاماً)، والد الطفل رضوان الغريب (12 عاماً)، إن ابنه المولود في تركيا لم يكتسب سوى العامية السورية، ويجد صعوبة بالغة في استيعاب الدروس المكتوبة باللغة العربية الفصحى.
يضيف لـ”963+”: “ابني بحاجة إلى سنتين على الأقل حتى يتمكن من فهم المناهج الدراسية كما يجب، خاصة أنه لم يتلقَّ أي تعليم سابق باللغة العربية”.
ويشير إلى أن الظروف التي مرّت بها سوريا خلال الحرب جعلته غير متأكد من إمكانية العودة، ما دفعه إلى التركيز على تعليم ابنه باللغة التركية، ظناً منه أنها ستكون الأكثر فائدة لمستقبله.
مستويات متفاوتة وضغوط نفسية
لا يقتصر الأمر على الطلاب وأولياء الأمور، فالمعلمون أيضاً يواجهون صعوبة في التعامل مع هذه الفجوة التعليمية. سليمان السليمان (40 عاماً)، معلم في إحدى المدارس السورية، أوضح لـ”963+” أن الطلاب العائدين يتمتعون بمستوى جيد في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء، لكنهم يعانون في المواد الأدبية التي تحتاج إلى فهم عميق للغة.
وأضاف السليمان: “الطلاب العائدون يشعرون بحالة من الضياع بسبب الفروقات الجذرية بين المناهج التركية والسورية، ما يستدعي معالجة تربوية خاصة تساعدهم على تجاوز هذه الفجوة”. وأكد ضرورة إخضاعهم لاختبارات تقييمية لمعرفة مستواهم الحقيقي ومن ثم تقديم برامج دعم تعليمي مناسبة.
لكن هذه الفجوة لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فحسب، بل تمتد إلى التأثير النفسي على الطلاب، حيث يواجه بعضهم الإحباط والشعور بالنقص مقارنة بزملائهم، خاصة أولئك الذين كانوا متفوقين في مدارسهم التركية. يشير السليمان إلى أن “هذه الضغوط قد تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، ما قد ينعكس سلبًا على التحصيل العلمي والتفاعل داخل الصف”.
إجراءات مطلوبة لسد الفجوة
يرى التربوي رياض عساف (48 عاماً) أن المشكلة تتطلب تعاوناً مشتركاً بين المدارس والأسر، عبر تقديم دعم أكاديمي ونفسي مستمر للطلاب العائدين. ويقترح عساف اتباع عدة استراتيجيات لتعزيز مهارات اللغة العربية لديهم، منها تشجيعهم على التحدث والكتابة باللغة الفصحى في المنزل والمدرسة، بالإضافة إلى توفير دورات تقوية في القواعد والنحو.
وأكد عساف في حديث لـ”963+” أن البرامج التثقيفية المنزلية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في مساعدة الطلاب على تجاوز هذه العقبات، محذراً من أن “الطلاب الذين لا يحصلون على الدعم اللازم قد يواجهون مشاكل سلوكية بسبب الإحباط، خاصة إذا تعرضوا للتنمر من زملائهم بسبب ضعف مستواهم اللغوي”.
ووفقاً لتصريحات وزير الداخلية التركي، يرلي كايا، فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا طوعياً إلى بلادهم منذ 9 كانون الأول/ ديسمبر حوالي 81 ألف شخص، في حين لا يزال 3.12 مليون لاجئ سوري يعيشون تحت الحماية المؤقتة في تركيا، وفق بيانات إدارة الهجرة التركية.
ومع تزايد أعداد العائدين، تصبح الحاجة أكثر إلحاحاً لوضع استراتيجيات تعليمية تضمن اندماج الطلاب في النظام التعليمي السوري، بما يتيح لهم متابعة تحصيلهم الدراسي دون أن تتحول الفجوة اللغوية إلى عقبة دائمة أمام مستقبلهم.