قدم القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، أمس الإثنين، التهنئة للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع بمناسبة توليه منصبه، كما وجه إليه دعوة رسمية لزيارة مناطق شمال شرقي سوريا.
وأكد عبدي في تصريحات صحفية دعم قواته لأي جهود تصب في تحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية، مشدداً على أن الحوار الجاد والهادف يمثل مدخلاً رئيسياً لحلول تضمن مصلحة البلاد العليا. كما أشار إلى أن الجهود المبذولة لتهيئة بيئة تفاوضية مناسبة مع الحكومة السورية في دمشق لا تزال مستمرة، مع وجود نقاط اتفاق بين الجانبين، فيما لا تزال هناك نقاط أخرى محل نقاش وتفاوض.
التزام بوحدة سوريا وعودة المهجرين
شدد قائد “قسد” على التزام قواته بوحدة سوريا، مؤكداً ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين جميع السوريين بعيداً عن أي شكل من أشكال التمييز أو المحاصصة. كما رحب بزيارة الرئيس الشرع لمدينة عفرين شمال حلب، معتبراً أن هذه الزيارة تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز مسارات العودة الآمنة للسكان الأصليين.
وفي هذا السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي السوري بسام السليمان، أن هذا التصريح يعكس توجهاً إيجابياً نحو حلحلة الأزمة بين “قسد” والسلطة في دمشق، واصفاً إياه بأنه “بادرة طيبة”.
وأضاف السليمان لـ”963+” أن عوامل عدة قد تدفع “قسد” إلى تبني موقف أكثر مرونة تجاه الحكومة السورية، أبرزها رغبة القوى الوطنية داخل مناطق سيطرة “قسد” في العودة إلى دمشق، فضلًا عن الضغوط الإقليمية والدولية، حيث لا يبدو أن الولايات المتحدة حسمت موقفها النهائي من الملف.
دعوات دمشق وتحديات التفاوض
فيما يخص مطالب الحكومة السورية بإخراج المقاتلين غير السوريين من صفوف “قسد”، وتسليم ملف السجناء من تنظيم “داعش”، إضافة إلى عودة مؤسسات الدولة المركزية إلى العمل في شمال شرقي سوريا، أكد عبدي انفتاح “قسد” على هذه القضايا، معتبراً أن “حماية المنطقة ومحاربة الإرهاب مسؤولية وطنية تتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين جميع الأطراف”. وأعلن عن نيته زيارة دمشق مجدداً لمناقشة خطة عمل واضحة لتنفيذ هذه البنود.
من جانبه، توقع الكاتب والباحث السياسي ياسر نجار، أن يقوم الشرع قريباً بزيارة منطقة الجزيرة شرق نهر الفرات، ضمن جولة تشمل مختلف المحافظات السورية، لتعزيز مركزية الدولة وبسط سيادتها على كامل الأراضي السورية.
كما أشار في تصريحات لـ”963+” إلى أن هذه الزيارة ستسعى إلى ترسيخ الوحدة الوطنية، والتأكيد على رفض أي محاولات لتقسيم البلاد.
تحركات دولية وتأثيرات إقليمية
تأتي تصريحات عبدي في ظل تحركات دولية تهدف إلى إرساء الاستقرار في سوريا، كما تتزامن مع جهود “قسد” ومجلس سوريا الديموقراطية والإدارة الذاتية لعقد اجتماعات تنسيقية دورية لبحث تطورات المشهد السوري، بما في ذلك الحوار مع دمشق.
وفي اجتماعها الأخير، أكدت “قسد” ضرورة عقد سلسلة من اللقاءات المحلية في جميع مدن شمال شرقي سوريا، لضمان مشاركة جميع المكونات في العملية السياسية. كما جرى بحث مسألة دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، وعودة المهجرين قسراً إلى ديارهم، وضرورة تحقيق وقف إطلاق النار كخطوة أساسية لدفع الحوار قدمًا.
وفي سياق متصل، رأت الباحثة المختصة بالشأن السوري والتنمية في دول ما بعد النزاعات، نجاح عبدالحليم، أن تصريحات عبدي الأخيرة تعكس تحولاً ملحوظاً في خطاب “قسد” السياسي، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه التوجهات وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع.
وأشارت عبدالحليم في تصريحات لـ”963+” إلى أن هذه التصريحات تأتي بعد لقاءين سابقين بين “قسد” والحكومة السورية، دون تحقيق تقدم ملموس حتى الآن. كما لفتت إلى أن الحديث عن انسحاب أميركي محتمل خلال 90 يوماً ربما يدفع “قسد” لإعادة التموضع سياسياً.
وبينما لم تقدم “قسد” حتى الآن أي تفاصيل حول كيفية اندماجها في الجيش السوري، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت ستحتفظ بهيكليتها العسكرية الحالية ضمن مظلة الجيش السوري، أم ستُحلّ تدريجياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فيظل الموقف التركي عامل ضغط أساسي، حيث صرح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مؤخرًا بأن أنقرة لن تقبل بأي شرعنة لـ”قسد”، ولوّح بإمكانية عمل عسكري جديد ضدها إذا لم يتم تفكيكها.
ثلاثة سيناريوهات متوقعة
وفقاً لعبدالحليم، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمستقبل القريب: “تفاهم تدريجي يتضمن أن توافق “قسد” على الاندماج في الجيش السوري، لكن ضمن إطار يحافظ على بعض استقلاليتها كقوة أمنية محلية تحت إشراف الدولة”.
والثاني بحسب عبد الحليم، “المراوحة وتعني استمرار الوضع الحالي دون اتفاق حقيقي بسبب تعقيدات التفاوض والضغوط الخارجية. والثالث هو التصعيد العسكري بحيث تدخل تركيا عسكرياً لمنع أي اتفاق يمنح “قسد” شرعية داخل الدولة السورية، مما قد يشعل موجة جديدة من الصراع المسلح”.
وفي ظل هذه التطورات، تبقى تصريحات عبدي وإشاراته إلى الانفتاح على الحوار مع دمشق خطوة إيجابية، لكنها تفتقر إلى خطوات عملية تؤكد جديتها. ويبقى الموقف الأميركي والتركي، إلى جانب الاعتبارات الداخلية للحكومة السورية، عوامل حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه التصريحات ستترجم إلى اتفاق نهائي، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية ضمن حسابات سياسية أوسع.