في محافظة درعا جنوبي سوريا، حيث العيش في ظل سنوات من الحرب والنزاع، تتواصل معاناة السكان المحليين نتيجة لارتفاع أسعار الأدوية بشكل لافت، على الرغم من التحسن النسبي في سعر صرف الليرة السورية وإزالة العديد من الحواجز الأمنية التي كانت تفرض إتاوات على البضائع.إن هذه الزيادة المستمرة في الأسعار، التي تطال جميع الأصناف من أدوية الأمراض المزمنة إلى الأدوية الأخرى، تثير قلقاً واسعاً بين السكان الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مع غلاء المعيشة وتكاليف العلاج التي لا يمكن تحمّلها.
وزيرة عبد الرحمن التوبة، امرأة في الـ54 من عمرها من ريف درعا الغربي، تجسد قصتها صورة حية لمعاناة الكثيرين. وزيرة أرملة، تعيش مع بناتها وتعتمد على مساعدة ابنها الذي يعمل في الخارج بعد أن فقدت ابنها الآخر في قصف الطيران الإسرائيلي في لبنان.
في حديثها، تقول بلهجتها الحورانية لموقع “963+”: “يا بني، الدوا صار همّنا الأكبر! ما عندي غير بناتي، وابني المسافر بيساعدنا شوي، بس كنا نعتمد كمان على ابني الثاني الله يرحمه، يلي استشهد بلبنان هو وعيلته كلها بالطيران الإسرائيلي، وهسه فقدنا هالمساعدة”.
وتضيف: “كنت جيب دوا الضغط والسكري بـ 10 آلاف، هسه صار بدو فوق الـ 15 ألف، وهذا وأنا بوفر قد ما بقدر! نحنا كبار بالعمر وما عاد فينا نشتغل، وكل 7 أيام بدي وصفة دوا بـ 260 ألف، قبل لما كان الدولار بـ 15 ألف كانت تجينا الـ 100 دولار بمليون ونص، هسه الـ 100 دولار صارت بمليون، والدوا بدل ما يرخص غلي علينا، ومش عارفين السبب”.
وتوضح وزيرة معاناتها المستمرة مع غلاء الأدوية، وتصف الوضع القائم بقلق بالغ على عائلات مثل عائلتها التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار.
أزمات صحية واقتصادية
ومن ريف القنيطرة الجنوبي، جنوبي سوريا، حيث يعاني عقاب الصلخدي، البالغ من العمر 62 عاماً، من أمراض القلب والضغط، بالإضافة إلى جلطة سابقة وعملية قلب مفتوح، فإن معاناته لم تقتصر على المرض وحده. هو بحاجة مستمرة للأدوية التي تضمن له حياة صحية مستقرة، لكن أسعار الأدوية، بحسب قوله، أصبحت “عبئاً ثقيلاً” على عاتقه.
ويضيف لـ”963+”: “نحنا كبار بالعمر، وما إلنا غير هالدواء، بس صار عبء علينا! أنا معي جلطة من سنتين وعامل قلب مفتوح، ولازم أخد أدوية بشكل دائم، بس الأسعار عم ترتفع بدل ما ترخص! كنت جيب دوا الضغط بـ 30 ألف، هسه صار بـ 50 ألف، والراتب ما بيتحرك! لازم يكون في رقابة على الأسعار، لأنو الوضع صار ما بينحمل”.
وفي بعض الأحيان، بتابع الصلخدي: “ما بقدر جيب الدوا بسبب الأوضاع الاقتصادية، وبضطر أروح على عيادات الأمم المتحدة، هني بيعطوني دوا وبيدخلوني عالمستوصف تبعهم، وهذا الشي صار يساعدني شوي، بس المفروض الأدوية تكون متوفرة إلنا بسعر يناسب وضعنا، مو نضطر ندور على حلول بديلة”.
ويُظهر الصلخدي كيف أن ارتفاع الأسعار لا يؤثر فقط على المرضى، بل حتى على الأشخاص الذين يعتمدون على العلاج المستمر للحفاظ على حياتهم.
معاناة غير المرضى من غلاء الأدوية
صالح الجباوي، وهو مواطن من درعا يبلغ من العمر 40 عاماً، ليس من المرضى المزمنين لكنه أيضاً يعاني من غلاء الأدوية بشكل عام. يتحدث بقلق عن تأثر أسعار الأدوية على جميع فئات المجتمع.
يقول الجباوي لـ”963+”: “حتى لو الواحد مو مريض، صار لازم يحسب حساب إذا احتاج دوا! قبل كنت جيب أدوية بسيطة متل المسكنات أو المضادات الحيوية بأسعار معقولة، هسه صار سعر أي شريط دوا يوصل لـ 15 ألف ليرة وأكثر! إذا الواحد لا سمح الله مرض وصار بحاجة لمضاد حيوي ولا إبرة، لازم يكون معه ميزانية لحالها. ليش الأسعار ما عم تنزل رغم تحسن سعر الصرف؟ المشكلة مو بس للمرضى، حتى الناس العاديين صاروا يعانوا من غلاء الأدوية”.
كيف تحدد أسعار الأدوية؟
حول آلية تسعير الأدوية في سوريا، أكدت الدكتورة صبرية خليل حرب، عضو نقابة الصيادلة، في تصريح خاص لـ”963+”، أن “تسعير الأدوية يتم وفق آلية محددة ومعتمدة من وزارة الصحة، حيث تراعى تكاليف المواد الأولية، وأسعار الصرف، وتكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى المصاريف التشغيلية لمعامل الأدوية”.
وتؤكد حرب، على أن “اللجان المختصة تتولى إصدار اللوائح التسعيرية الدورية التي تلتزم بها الصيدليات والشركات الدوائية”.
وفيما يتعلق بالرقابة على الأسعار، أشارت إلى أن هناك فرق تفتيش تقوم بجولات دورية على الصيدليات لضبط أي مخالفات، وأن أي تلاعب يتم معاقبته قانونيًا.
بدورها، أضافت الصيدلانية مريم المسلم، العاملة في مدينة درعا، في تصريحات لـ”963+” أن “هناك زيادة ملحوظة في أسعار الأدوية، خاصة تلك الخاصة بالأمراض المزمنة مثل الضغط، السكري، وأدوية القلب، والتي شهدت قفزات سعرية كبيرة خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفعت بعض الأدوية أكثر من 50% بسبب غلاء المواد الخام وتكاليف الإنتاج المرتفعة”.
وقالت: “المفروض مع هبوط الدولار تنزل أسعار الأدوية، لكن يلي صار العكس! المواد الخام المستوردة لسّا غالية، والمعامل رفعت الأسعار بحجة ارتفاع تكاليف الإنتاج. بعض الأصناف زادت أكتر من 50% خلال الشهرين الماضيين، متل الإنسولين وحبوب السكري والمميعات، وهذا شي كتير أثر على المرضى، خاصة يلي بيعتمدوا على العلاج مدى الحياة”.
ورغم التحسن في سعر الصرف، تشير المعلومات إلى أن الأسعار لم تشهد انخفاضاً كبيراً، بل استمرت بالارتفاع بسبب عوامل متعددة تتعلق بتكلفة الإنتاج والمواد الأولية. كما أن بعض الأصناف شهدت زيادات كبيرة، ما يجعل الأمل في تراجع الأسعار بعيد المنال في المستقبل القريب.
دعوات إلى التدخل الحكومي
في خضم هذه الأزمات، يطالب السكان المحليون والجهات الصحية في درعا بتدخل الحكومة لضبط أسعار الأدوية وتوفيرها بأسعار ملائمة لقدرة المواطنين الشرائية. العديد من المرضى، خاصة من يعانون من الأمراض المزمنة، لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج المرتفعة.
توجهت وزيرة عبد الرحمن التوبة بنداء إلى الحكومة الجديدة، مطالبة بتوفير الدعم للأدوية الأساسية وضمان الوصول إليها بأسعار معقولة، لتخفيف العبء المالي عن العائلات، وقالت: “الأدوية ضرورة، ولا يمكن الاستغناء عنها. لازم الحكومة تساعدنا في توفيرها بأسعار مناسبة تضمن حصول الجميع على العلاج”.