في خطوة ديبلوماسية لافتة تحمل رسائل سياسية وإقليمية، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، تلقيه دعوة رسمية لزيارة العراق، مؤكداً أنه سيكون في بغداد قريباً. هذه الزيارة تأتي في ظل تحولات كبرى تشهدها سوريا بعد تشكيل حكومتها الانتقالية، وسط سعيها لاكتساب الشرعية الإقليمية والدولية. فهل يمثل هذا التحرك بداية لانفتاح سوري جديد على الجوار العربي، أم أنه إعادة تموضع سياسي في مواجهة تحديات المرحلة؟ وماذا تعني هذه الزيارة لمستقبل العلاقات السورية العراقية في ظل المشهد السياسي المعقد؟
وجاء حديث الشيباني، خلال مقابلة أجراها مع الإعلامي عمار التقي من صحيفة “القبس” الكويتية، على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي.
أهداف الزيارة والسياق السياسي
تأتي هذه الزيارة في ظل تحولات بارزة تشهدها سوريا منذ الإعلان عن الحكومة الانتقالية. وقد صرح الشيباني بأن الحكومة الجديدة، المتوقع تشكيلها في آذار/ مارس المقبل، ستكون ممثلة لجميع أطياف الشعب السوري، معتبراً أن “بناء الدولة والجيش يحتاج إلى وقت كافٍ”.
وأكد أن المؤسسات الحكومية بدأت تستعيد نشاطها، حيث فتحت الأسواق والجامعات أبوابها وعاد الموظفون إلى أعمالهم، في إشارة إلى بدء مرحلة التعافي بعد سنوات من الصراع.
وشدد الشيباني على ضرورة دعم المجتمع الدولي لسوريا الجديدة، مشيراً إلى أن رفع العقوبات المفروضة على البلاد سيكون أمراً حاسماً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وقال: “الشعب السوري تخلص من التحدي الأكبر الذي كان يصادر كرامته وحقوقه”، في إشارة إلى النظام السابق.
وأضاف: “بعد خمس سنوات سنكون هنا لنتحدث عن إنجازات حقيقية، وبعد عام واحد سنرى أن سوريا قادرة على التعبير عن نفسها أمام العالم”.
قراءات تحليلية لزيارة الشيباني إلى العراق
تشير التحليلات إلى أن زيارة الشيباني للعراق تعكس رغبة دمشق في تعزيز علاقاتها الإقليمية، لا سيما مع الدول المجاورة التي يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في دعم إعادة الإعمار.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، في تصريحات لموقع “963+” أن تبادل الزيارات بين الحكومة السورية الجديدة والعراق يأتي في إطار الانفتاح السوري على المحيطين الإقليمي والدولي”. وأوضح أن “رغم التحفظات السابقة تجاه العراق خلال فترة النظام السابق، فإن المصالح المشتركة اليوم تفرض ضرورة التعامل بواقعية”.
وأضاف علوان أن العراق يمثل إحدى الدول الأساسية التي تسعى الحكومة السورية إلى بناء شراكات متعددة المستويات معها، خاصة في مجالات الأمن والتبادل التجاري. وأشار إلى أن تعقيدات المشهد السياسي في العراق، وخصوصاً الضغوط الأميركية لحل الحشد الشعبي ودعم حكومات إصلاحية، “قد تفرض تحديات على العلاقة بين بغداد ودمشق، ما يستدعي من الحكومة السورية التعامل بحذر مع التطورات السياسية الجارية”.
ومن جانبه، أكد المحلل السياسي العراقي، جاسم الغرابي، أن السياسة الدولية والإقليمية تترقب تطورات الأوضاع في دمشق، مشيراً إلى أن “العراق يتعامل بحذر مع المشهد السوري، حيث يترقب مدى جدية الحكومة الجديدة في تمثيل جميع مكونات الشعب السوري دون إقصاء”.
وأضاف الغرابي في تصريحات لـ”963+”: “إذا استمرت الأحاديث عن صراعات طائفية أو إبعاد الأقليات، فقد تتعقد العلاقات بين البلدين”.
كما شدد الغرابي على أن زيارة الشيباني إلى العراق “تعكس محاولة الحكومة السورية المؤقتة لكسب اعتراف دولي وتوسيع علاقاتها الديبلوماسية، إلا أن نجاح هذه الجهود سيعتمد على مدى استقرار الأوضاع الداخلية في سوريا”. وقال: “لا يمكن الحكم على العلاقات السورية العراقية بشكل نهائي الآن، فالمشهد لا يزال متغيرًا ومتأرجحًا بين القبول والتردد”.
أما فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على سوريا، فقد رأى الغرابي أن العراق ليس لاعباً رئيسياً في هذا الملف، حيث لا يزال يخضع لعقوبات غربية بدوره. واعتبر أن “السعودية وتركيا هما الطرفان الأكثر قدرة على التأثير في هذه القضية من خلال الضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتخفيف القيود المفروضة على سوريا”.
العراق ودوره في مستقبل العلاقات العربية السورية
بدوره، صرح علي الصاحب، رئيس المركز الإقليمي للدراسات في بغداد، بأن المتغيرات على الساحة السورية أصبحت “واقعاً لا مفر منه”، مشيراً إلى أن “العراق تعامل مع هذه المتغيرات بحكمة وديبلوماسية، عبر إرسال رئيس جهاز المخابرات للقاء مسؤولين سوريين”.
وأضاف الصاحب لـ”963+” أن “الجغرافيا السياسية بين العراق وسوريا، مع الحدود الممتدة لأكثر من 500 كيلومتر، تفرض على البلدين التفاعل وفق مبدأ حسن الجوار واحترام السيادة”.
وأشار الصاحب إلى أن زيارة الشيباني للعراق ستتناول ملفات حساسة، منها تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، ورفع مستوى التنسيق السياسي بين البلدين. كما لفت إلى أن “دعوة الرئيس السوري للمشاركة في القمة العربية المقبلة قد تشكل نقطة تحول في مسار العلاقات السورية العربية، خاصة في ظل التهديدات الخارجية التي تواجه المنطقة”.
وفيما يخص الأنباء المتداولة حول محاولة اغتيال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، نفى الصاحب صحتها، معتبراً أنها “مجرد إشاعات سياسية تهدف إلى زعزعة الاستقرار وإرسال رسائل سياسية غير مباشرة”.
وأكد أن العراق لا يعمل ضد الحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن المشهد السياسي العراقي يتسم بتوازنات دقيقة بين القوى الداعمة للاستقرار والعناصر التي تسعى إلى زعزعة الأمن في المنطقة.
ومع استمرار التطورات السياسية في سوريا والعراق، تظل الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة الحكومة السورية على كسب دعم إقليمي ودولي حقيقي، وإلى أي مدى ستتمكن من تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة. كما يبقى العراق لاعباً رئيسياً في تحديد شكل العلاقات العربية السورية خلال الفترة المقبلة.
وبينما يسعى الشيباني لتوسيع شبكة التحالفات الديبلوماسية لبلاده، تظل التحديات قائمة، سواء من ناحية العقوبات الغربية أو الملفات الأمنية والاقتصادية العالقة.