بعد سنوات من التهميش في ظل “الائتلاف السوري المعارض”، أعلن “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، الجمعة الماضية، انسحابه رسمياً من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في خطوة تعكس تحولاً في استراتيجياته السياسية وسط متغيرات المشهد السوري.
ويُنظر إلى انسحاب المجلس الوطني الكردي على أنه تحرر من عبء سياسي لم يقدم أي خطوات ملموسة على الأرض، كما أنه يعكس إعادة تموضع في المشهد السياسي السوري بشكل عام، والكردي على وجه الخصوص، في ظل تصاعد الجهود الرامية لتوحيد الصف الكردي.
وفي هذا السياق، تجري حوارات كردية مكثفة للتغلب على العقبات السابقة، حيث يشارك في هذه الحوارات قائد “قسد” مظلوم عبدي، والزعيم الكردي مسعود برزاني، برعاية أميركية فرنسية، بهدف التوصل إلى صف كردي موحّد يمكنه الدخول في حوار مع دمشق حول مستقبل الأكراد في سوريا.
حوار كردي-كردي رغم التشكيك في نجاحه
على الرغم من استمرار الخلافات بين الفصائل الكردية، فإن الجهود مستمرة لتقريب وجهات النظر، وسط حديث عن أن “المجلس الوطني الكردي” يسعى إلى تصدّر المشهد الكردي في أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة السورية.
وتتوزع الجماعات السياسية الكردية في سوريا بين إطارين رئيسيين؛ الأول هو “الوحدة الوطنية الكردية” التي يقودها حزب “الاتحاد الديموقراطي”، وهو من أبرز أحزاب الإدارة الذاتية، والثاني هو “المجلس الوطني الكردي” الذي تشكل في نهاية عام 2011 ويضم طيفاً واسعاً من الأحزاب والكيانات السياسية الكردية إلى جانب شخصيات مستقلة، وفقاً لما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، كثّفت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا عبر بعثاتها الديبلوماسية لقاءاتها مع القادة الأكراد بهدف استئناف الحوارات الداخلية المتعثرة منذ عام 2020، والوصول إلى موقف موحّد بشأن المطالب الكردية في سوريا الجديدة، إضافة إلى تشكيل وفد موحد لتمثيل هذه الأحزاب في أي مفاوضات قادمة.
وفي هذا السياق، اجتمع قائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني في إقليم كردستان العراق في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، لمناقشة سبل ترتيب البيت الكردي وتوحيد صفوفه قبل الدخول في أي حوار مباشر مع دمشق.
اقرأ أيضاً: الحسكة.. نموذج للتعايش السلمي بين الثقافات والأديان
ضغط كردي وراء الانسحاب؟
يؤكد صالح مسلم، عضو هيئة الرئاسة في حزب “الاتحاد الديموقراطي” (PYD)، في حديثه لموقع “963+”، أن انسحاب المجلس الوطني الكردي جاء نتيجة ضغوط كردية، في ظل ما وصفه بـ”الحرب المعلنة” التي تشنها تركيا ضد الأكراد في مناطق مثل عفرين ومحيط سد تشرين وشمال سوريا.
وأضاف مسلم أن “فشل الائتلاف السوري في تقديم رؤية واضحة للحكم والعمل على الأرض دفع المجلس الوطني الكردي إلى اتخاذ قرار الانسحاب والوقوف إلى جانب شعبه”، مشيراً إلى أن المجلس وجد نفسه مضطراً لمغادرة الائتلاف بعد انقطاع الدعم الإقليمي عنه.
ونفى مسلم ما يتم تداوله حول أن هذا الانسحاب يهدف إلى إضعاف حزب “الاتحاد الديموقراطي”، مشيراً إلى أن المجلس عاد إلى الانخراط ضمن الأحزاب الكردية بهدف توحيد الصف الكردي في سوريا. كما أشار إلى إمكانية أن يصبح المجلس جزءاً من إدارة شمال وشرق سوريا، وفقاً لصيغة تضمن التنافس مع الأحزاب الأخرى.
الائتلاف السوري المعارض.. “جسم بلا تأثير”
من جانبه، يرى جوان يوسف، كاتب سياسي مقيم في جنيف، أن “انسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف جاء نتيجة لاستمرار الفصائل العسكرية في محاربة قسد، رغم إعلان انضمامها للجيش السوري”.
وأضاف يوسف، في تصريحات لـ”963+”، أن “الائتلاف أصبح حالة معارضة لم يعد لها دور يذكر بعد سقوط النظام السوري السابق، كما أن السلطة الجديدة في دمشق لم تعد تعترف بهذه الهيئة السياسية”.
وأشار إلى أن “المجلس الوطني الكردي قرر تقديم الحوار مع الإدارة السورية الجديدة على الحوار مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة دوره المستقبلي”.
مشهد سياسي جديد في سوريا
أما الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية، محمود خوشناو، فيرى أن “الاصطفافات السياسية في سوريا تغيرت جذرياً بعد سقوط نظام الأسد، الأمر الذي يتطلب إعادة ترتيب الأوراق السياسية وإيجاد تحالفات جديدة”.
ويضيف خوشناو لـ”963+” أن “الحوار الكردي-الكردي أصبح ضرورة في هذه المرحلة، خصوصاً في ظل الوساطات الدولية التي تهدف إلى توحيد الصف الكردي وضمان حقوقهم ضمن مستقبل سوريا”.
ويؤكد أن “إعادة الاصطفافات السياسية من قِبَل مختلف القوى باتت ضرورية لضمان مشاركة جميع المكونات السورية في صياغة الدستور الجديد ورسم ملامح العملية السياسية في البلاد”.
اقرأ أيضاً: آلاف المرضى حائرون.. مشفى “باب الهوى” خارج الخدمة
تفكك المعارضة: مصير مجهول للائتلاف وهيئة التفاوض
في سياق متصل، شهد الثلاثاء الماضي، تطوراً لافتاً حيث قامت “هيئة التفاوض السورية المعارضة” والائتلاف الوطني بتسليم عهدتيهما إلى الدولة السورية، وذلك عقب لقاء جمع وفدين من المؤسستين مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
وخلال الاجتماع، قدم كل من رئيس الائتلاف هادي البحرة ورئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس التهنئة للشرع، ما اعتُبر اعترافاً ضمنياً بنتائج مؤتمر “انتصار الثورة السورية” الذي أفضى إلى توليه منصب رئيس الجمهورية.
وجاء هذا التطور بالتزامن مع قيام الائتلاف الوطني بإبلاغ موظفيه في مقريه بإسطنبول التركية وأعزاز السورية بإنهاء عملهم، في خطوة تشير إلى تفكك هذا الكيان الذي تأسس في الدوحة عام 2012، ليكون ممثلاً للثورة السورية، لكنه مع مرور الوقت فقد الكثير من زخمه السياسي.
يشار إلى أن الائتلاف يضم العديد من الكتل السياسية، أبرزها “حركة الإخوان المسلمين”، و”المجلس الوطني الكردي”، و”المجلس الوطني التركماني”، و”المجالس المحلية”، و”مجلس القبائل والعشائر”، إلى جانب تيارات وأحزاب سياسية متعددة.
أما “هيئة التفاوض السورية”، التي تأسست عام 2015 خلال مؤتمر الرياض الأول، فكانت تهدف إلى توحيد المعارضة السياسية وتمثيلها في العملية التفاوضية مع النظام السوري، إلا أن دورها تقلص بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
ويبقى انسحاب “المجلس الوطني الكردي” من “الائتلاف السوري المعارض” خطوة تعكس تحولات كبرى في المشهد السياسي السوري، حيث تتجه الأنظار إلى مستقبل الحوارات الكردية-الكردية، ومسار التفاوض مع دمشق، في ظل إعادة ترتيب موازين القوى داخل البلاد وخارجها.