تستعد العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة مؤتمر دولي مهم حول سوريا، وذلك في الثالث عشر من شهر شباط/ فبراير الجاري، بمشاركة واسعة من ممثلين عن الدول العربية والأوروبية والدولية. يأتي هذا المؤتمر استكمالاً لمؤتمري العقبة والرياض اللذين عُقدا في كانون الأول/ ديسمبر، وكانون الثاني/ يناير الماضيين، حيث يُنظر إليه كخطوة في إطار الجهود الدولية المستمرة لمعالجة الملف السوري، مع بعض التغييرات الجديدة في المشهد.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، سيضم المؤتمر وزراء خارجية ثماني دول عربية، إلى جانب نظرائهم من مجموعة السبع، وست دول أوروبية، والولايات المتحدة الأميركية، وتركيا، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي. كما سيشارك وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، أسعد الشيباني، في فعاليات المؤتمر.
ومن المتوقع أن تمثل الولايات المتحدة بموظفين كبار من وزارة الخارجية الأميركية، بينما سترسل كل من تركيا، والإمارات، وقطر، نائب وزير خارجيتها. كما تحظى المؤسسات المالية الإقليمية والدولية بتمثيل في المؤتمر، نظراً لأن أحد أهدافه الرئيسة هو بدء البحث في عملية إعادة الإعمار في سوريا.
هيكل المؤتمر وبرنامجه
ينقسم المؤتمر إلى قسمين رئيسيين؛ الأول سيكون صباحاً على هيئة ورشة عمل تجمع ممثلين عن الدول العربية ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمؤسسات المانحة. وسيهدف هذا القسم إلى دراسة وتنسيق الجهود الدولية حول المساعدات الممكنة لدعم المرحلة الانتقالية وإعادة الإعمار في سوريا.
أما القسم الثاني، فسيكون عبارة عن جلسة وزارية عامة تُعقد بعد ظهر يوم الخميس الثالث عشر من فبراير، حيث سيتم عرض نتائج ورشة العمل، ليختتم المؤتمر بكلمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي هذا السياق، اعتبر السفير المصري حازم خيرت أن المؤتمر سيكون احتشاداً لافتاً، نظراً لحضور واسع من قوى دولية وأوروبية وعربية. وأكد خيرت في تصريح لـ”963+” أن المؤتمر لا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل يتناول أيضاً الجوانب الاقتصادية وإعادة الإعمار، مشيراً إلى دعوة ماكرون لمؤسسات المجتمع المدني السوري للمشاركة على هامش المؤتمر.
وأضاف خيرت أن العملية السياسية الانتقالية ستكون محوراً أساسياً في النقاشات، مشيراً إلى أن المؤتمر قد يكشف بعض ملامح الموقف الأميركي تجاه سوريا، حتى وإن جاء التمثيل الأميركي بمستوى منخفض. كما شدد على أهمية التوافق حول ملف شمال شرق سوريا ومصير الأكراد ضمن مبدأ وحدة الأراضي السورية، محذرًا من خطورة الانتهاكات التي تستهدف الأقليات، وضرورة ضبط الفصائل المسلحة ضمن إطار الدولة.
وأكد السفير المصري ضرورة مشاركة الدول العربية الفاعلة في المؤتمر، مشدداً على أهمية رفع توصية لحماية الحدود السورية من الاعتداءات الإسرائيلية. وختم حديثه بالقول: “القاهرة تؤمن بأهمية استقرار سوريا للأمن القومي المصري، لكنها تتريث لمراقبة سياسات الإدارة السورية الجديدة، ومدى جديتها في تحويل أقوالها إلى أفعال واقعية.”
التنافس الأوروبي على الملف السوري
من جانبه، أوضح شلال كدو، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا، أن الحراك الأوروبي المتسارع، ولا سيما الفرنسي، يعكس تنافساً حاداً على الاستثمارات المستقبلية في سوريا. وقال كدو لـ”963+” إن إعادة إعمار سوريا تمثل فرصة استثمارية ضخمة، مشيراً إلى أن الأوروبيين يسعون إلى تشكيل سلطة جديدة تتبنى نموذج حكم يتماشى مع المعايير الديموقراطية والحقوقية الدولية.
وأضاف أن فرنسا تُبدي اهتماماً خاصاً بالشأن السوري، بالنظر إلى تاريخها الطويل في البلاد منذ عهد الانتداب، معتبراً أن هذا الاهتمام يهدف إلى ضمان دور أوروبي في مستقبل سوريا، وعدم ترك الساحة مفتوحة أمام القوى الإقليمية مثل تركيا.
بدوره، أكد نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، أن انخراط أوروبا في الملف السوري جاء بعد التواصل الأخير بين واشنطن والإدارة الجديدة في دمشق، مما أضعف دور تركيا كوسيط مباشر. وقال خليل إن الأوروبيين قلقون من خطر تنظيم “داعش”، خاصة بعد حصول عناصره على مزيد من الأسلحة من مخلفات النظام السابق، بالإضافة إلى التحديات الأمنية الناجمة عن مخيم الهول والموقوفين لدى الإدارة الذاتية.
كما أشار في تصريحات لـ”963+” إلى أن أوروبا تتابع عن كثب تصرفات القيادة السورية الجديدة، ومدى التزامها بوعودها الإصلاحية. وأكد أن الأوروبيين لن يمنحوا الحكومة السورية الجديدة “شيكاً على بياض”، بل سيربطون دعمهم بإجراءات ملموسة مثل إصدار إعلان دستوري يعكس عقدًا اجتماعيًا جديدًا يضمن الشراكة بين جميع مكونات المجتمع السوري.
فعالية على هامش المؤتمر حول العدالة الانتقالية
في إطار الفعاليات الجانبية للمؤتمر، كشف بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عن تنظيم اجتماع خاص بمعهد العالم العربي في باريس يوم الأربعاء الثاني عشر من فبراير. وأوضح الأحمد في تصريحات “لـ963+” أن الفعالية ستركز على العدالة الانتقالية، حيث ستُقدم توصيات للاجتماع الوزاري تتعلق بإصدار إعلان دستوري يضمن التنوع المجتمعي، وتعزيز الحوار الوطني، وتطبيق نموذج اللامركزية في سوريا المستقبل.
من جهتها، أكدت الباحثة السعودية نورة السبيعي أن المملكة العربية السعودية تطمح، من خلال مشاركتها في مؤتمر باريس، إلى استكمال المسار الذي أطلقته في اجتماع الرياض في يناير الماضي. وقالت السبيعي لـ”963+” إن الرياض استضافت حينها مؤتمراً للحوار حول مستقبل سوريا، بهدف توحيد الجهود الدولية والإقليمية للوصول إلى حلول قابلة للتطبيق.
وأوضحت أن السعودية تسعى إلى الانخراط الفاعل في الحوار مع الأطراف المعنية بالعقوبات المفروضة على سوريا، سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية، ودعم إعادة إعمار الاقتصاد السوري.
ويُتوقع أن يسهم مؤتمر باريس في وضع خطوط عريضة لرؤية دولية مشتركة حول مستقبل سوريا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. ومع تصاعد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في سوريا، سيكون لهذا المؤتمر دور مهم في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، خصوصًا فيما يتعلق بإعادة الإعمار، والعدالة الانتقالية، وموقف المجتمع الدولي من القيادة السورية الجديدة.