خاص – سارة مطر/بيروت
تتراوح الرعاية الصحية المقدمة للاجئات السوريات في لبنان، بين شبه المنعدمة أو غير الكافية على الإطلاق، خاصة عندما يكون الحديث عن الصحة الإنجابية والجنسية، وهذا ما يطرح جملة من التحديات أمام جميع السيدات خاصة تلك الحامل أو المرضعة، لأن الوضع الحالي يهدّد سلامتها وسلامة طفلها. وكذلك تبرز الحاجة القصوى لدورات توعوية صحية حول سبل الوقاية من الأمراض الجنسية المعدية والحمل غير المرغوب فيه، إضافة إلى ضرورة توفير الفوط الصحية ومستلزمات النظافة الشخصية أثناء الدورة الشهرية، وسط حالة البؤس والعوز التي تختبرها اللاجئات السوريات في البلاد.
وفي حين لا تتوفر معلومات دقيقة بشأن عدد اللاجئات السوريات الحوامل أو المرضعات في لبنان، أو حتى عدد اللاجئات من أصل العدد الإجمالي للاجئين، تظهر إلى الواجهة معطيات منظمة “أطباء بلا حدود”، المنظمة الإنسانية الدولية الفاعلة في مجال الرعاية الصحية الإنجابية والجنسية. ووفق معلومات خاصة بموقع “963+”، فأن المنظمة قدّمت في العام 2023، خدمات الصحة الإنجابية الجنسية لأكثر من 31,774 سيدة من اللبنانيات وغير اللبنانيات، ودعمت 927 عملية ولادة في محافظة بعلبك – الهرمل (البقاع الشمالي)، بالإضافة إلى 12,324 استشارة في مجال الصحة الإنجابية والجنسية وتغطية تكاليف 1,409 عمليات ولادة في منطقة وادي خالد (شمال البلاد)، وكذلك 37,364 استشارة و3,800 عملية ولادة في العاصمة بيروت”. وتكشف المنظمة أنّها اضطرت هذه السنة، ورغم الوضع المتدهور في لبنان، إلى “التوقف عن استقبال طلبات جديدة لنساء حوامل في منطقتَي عرسال والهرمل، نظراً لمحدودية الموارد والتمويل”.
نستحمّ مرة أسبوعيًّا وأستعين بالقماش للدورة الشهرية
وفي مقابلة مع “963+”، توضح اللاجئة السورية آلاء، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها الكاملة، أن “منظمة أطباء بلا حدود أوقفت منذ نحو عام تغطيتها لتكاليف الولادة، سواء الطبيعية أو القيصرية، واكتفت بتغطية المعاينات الطبية للمرأة الحامل بمعدل أربع زيارات طيلة فترة الحمل بعد أن كانت توفر للاجئات مختلف سبل الرعاية الإنجابية والجنسية. ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر توقفت كذلك عن استقبال أي طلبات جديدة. وسمعنا أن السبب يرتبط بتحويل التمويل والمساعدات إلى قطاع غزة. كما أن الدعم الذي كان يقدم من قبل الصليب الأحمر اللبناني في هذا الإطار، تراجع كليّاً أيضاً”.
آلاء، الأم لخمسة أولاد، تقول: “لا قدرة للاجئات على تحمل أتعاب الأطباء، ناهيك عن كلفة الأدوية والتحاليل والفحوص وكلفة الولادة الطبيعية التي تصل إلى 150 دولاراً، في حين تبلغ كلفة الولادة القيصرية 300 دولار. وفي حال احتاج الطفل إلى حاضنة، تكون الكلفة أكبر”. وتكشف كيف أن جارتها الحامل “تتكبد عناء الذهاب إلى بلدة العين في بعلبك (البقاع الشمالي)، من أجل الحصول على المعاينة الطبية المجانية التي توفرها إحدى الجمعيات، بحيث تترك أطفالها في المخيم لساعات طويلة قبل أن تعود أدراجها. مع العلم، أن كلفة الولادة ستكون على حسابها الخاص. فكيف لها أن تؤمن هذه الكلفة؟!”.
ولجأت آلاء إلى لبنان أواخر عام 2013، حيث تقيم وعائلتها في أحد مخيمات بلدة عرسال الحدودية مع سوريا. وإذ تبدي امتعاضها من الوضع المعيشي المزري، تقول: “زوجي يعمل في مناشر الحجر في البلدة، لكن طيلة فصل الشتاء يتوقف عمله بسبب الثلوج والعواصف. ولا حول لنا ولا قوة سوى تدبير أنفسنا بالتي هي أحسن”. وتتطرق أيضاً إلى النقص الحاد في المياه، “حيث نحصل كل أسبوع على خزان واحد فقط، ونحن سبعة أفراد في الخيمة، فنستحم مرة واحدة في الأسبوع. لا قدرة لنا على شراء المياه ولا نحصل على مساعدات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولا من غيرها. وأضطر من جهتي إلى شراء النوع الرديء من الفوط الصحية بسعر يقارب الدولار الواحد لكل كيس، وأضع فوقها ما تيسّر من قماش. وابنتي الكبيرة على طريق البلوغ، والحال متعثرة والوضع يزداد سوءاً مع الغلاء الفاحش في لبنان”.
وتختم آلاء حديثها بالدعاء بعودة قريبة إلى أرض الوطن، قائلةً: “العيش لو على سطوح منازلنا أشرف من الذلّ الذي نقاسيه في المخيمات”.
نواجه المجهول والوعود الكاذبة
وفي أحد مخيمات بلدة حلبا (شمال لبنان)، تتحسر اللاجئة الأرملة حسنة علي الحمد، على حالها وحال اللاجئات، وتقول لـ”963+”: “لا رعاية صحية ولا من يحزنون. نقصد المستوصفات المعنية بشؤوننا ونحصل على وصفة طبية، نلجأ إلى صيدلية المستوصف للحصول على الأدوية، فإما نجد دواء واحداً فحسب أو لا نجد أي دواء على الإطلاق. وقد أخبرتني إحدى اللاجئات أن جمعية معينة وعدتها بتغطية تكاليف الولادة، وعندما أصبحت السيدة في شهرها التاسع، اتصلت بممثلي الجمعية الذين اعتذروا منها. مع العلم، أن تلك المرأة لا معيل لها وزوجها تركها قبل أن تلد. للأسف، نلقى الكثير من الوعود الواهمة والكاذبة”.
وتقف اللاجئة السورية بيان، حائرة أمام ما ينتظرها بعد أشهر وجيزة، وهي الحامل في شهرها الرابع تقريباً، والتي كانت موعودة بأن تخضع لعملية الولادة القيصرية على حساب منظمة “أطباء بلا حدود”. وتقول: “سجلت في المنظمة أواخر العام الماضي، حيث تمت تغطية كلفة التحاليل المخبرية والفحوص التي خضعت لها منذ ذلك الوقت، لكن علمت بأنهم أوقفوا تسجيل الطلبات الجديدة ولا أعلم إن كنت سأتحمل أعباء الولادة بنفسي، علمًا أن عمل زوجي متعثر بشكل كبير، فهو يعمل يومًا ويبقى عاطلًا عن العمل لأيام”.
بيان، الأم لطفلين والتي تنتظر مولودها الثالث، تأسف كيف أن مفوضية الأمم المتحدة توقفت عن مساعدتهم بعد ثلاثة أشهر فقط من تسجيلهم وحصولهم على البطاقة. وتضيف في حديثها لـ:+963″: “من أين آتي بالحليب والحفاضات لطفلي الصغير، وكيف سأحافظ على صحتي وأضمن سلامة الطفل، وأنا أواجه مشاكل صحية ولا يمكنني الحصول على المعالجة، نظراً لظروفي المادية الصعبة. فمنذ لجوئنا إلى لبنان عام 2013 ونحن نعاني الأمرّين”.
الفترة الأسوأ بحق اللاجئات الحوامل
من ناحيتها، ترى القابلة النسائية إيمان جوهر أن “وضع اللاجئات الحوامل في هذه الفترة بالذات، هو الأسوأ على الإطلاق. كانت اللاجئة السورية تعتمد على تكفّل الصليب الأحمر اللبناني بتغطية قيمة المعاينات الطبية، بمعدل معاينة كل شهرين أو ثلاثة أشهر، بينما اليوم انعدمت تغطية المعاينات الطبية من قبل الصليب الأحمر”. وتضيف في حديثها لموقعنا “كانت منظمة أطباء بلا حدود تعتني كذلك بالنساء الحوامل، لكنها توقفت عن استقبال أي حالات جديدة. ولم يعد بإمكان اللاجئة الحامل أن تستفيد من المعاينات الطبية أو الأدوية أو الفحوص وغيرها، وأصبحت كلفة الولادة على حساب اللاجئة”.
وتتحدث جوهر عما تلاحظه، كقابلة قانونية، من هموم ومآسٍ تنتاب اللاجئة لدى معرفتها بأنّها حامل. وتقول: “تبدأ اللاجئة بسؤال نفسها عن كيفية تأمين كلفة الفحوص والتحاليل والأدوية والفيتامينات اللازمة لسلامتها وسلامة الجنين وعن كلفة الولادة، وزوجها بالكاد قادر على تأمين لقمة العيش اليومية. حتى أن الخدمات الصحية التي كانت متوفرة سابقاً لم تكن كافية، فقد تتعرض المرأة الحامل لحالات طارئة تستدعي التدخل الطبي. وفي ظل ارتفاع كلفة العيش في لبنان، فلم يعد هناك من معاينة أو دواء بمتناول اليد، كل ذلك يتطلب مبالغ لا طاقة للاجئات على تحمّلها. أحياناً أصف الدواء وأطلب من اللاجئة أن تراجعني بعد أسبوع أو أسبوعين. ومن خلال الفحص، أكتشف أنّها لم تتلقَّ العلاج لعدم قدرتها على شراء الدواء. أما بالنسبة لمسألة تنظيم الأسرة، فالوضع أفضل نسبيّاً، حيث يتم تأمين وسائل منع الحمل، ولو بكمية قليلة”.
جميع اللاجئات بحاجة لمستلزمات النظافة الشخصية
بدورها، توضح الناشطة السورية غرام عبسي، أنّ “المرأة الحامل تحتاج لكشوفات صحية كل شهرين على الأقل، للاطمئنان على حالتها الصحية وصحة جنينها. ولا تتمكن أكثر النساء من دفع رسوم الكشف في العيادات الخاصة. أما المرأة المرضعة فتحتاج إلى التوعية حول أهمية الرضاعة الطبيعية والأنماط الغذائية الواجب اتباعها لضمان صحة الأم والطفل، خصوصاً لدى النساء اللواتي لا يدركن أساليب التعامل مع الرضاعة الطبيعية بشكل صحي وسليم، واللواتي يختبرن تجربة الأمومة للمرة الأولى”.
وتكشف عبسي أنّ “جميع النساء في المخيمات بحاجة إلى مستلزمات النظافة الشخصية بأكملها للوقاية من الأمراض والجراثيم، سواء الفوط الصحية والملابس الداخلية والصابون وأدوية غسل الملابس أو الأدوية المرطبة للجسم واليدين وأدوات إزالة الشعر من الجسم. كما يجب حماية جميع النساء من الابتزاز الجنسي والعاطفي، وتحفيزهنّ على الإبلاغ عن حالات التحرش والابتزاز والاغتصاب، عوض السكوت والرضوخ، خوفاً من وصمة العار. ومن المهم، توفير التوعية اللازمة وتمكين النساء والفتيات اللاجئات وتعزيز قدراتهنّ على المطالبة بحقوقهنّ والدعوة للاقتصاص من المعتدين والمبتزّين”.
“أطباء بلا حدود”: شحّ التمويل فاقم المعاناة
وفي إتصال لـ”+963″، كشفت معطيات الفريق الطبي في منظمة “أطباء بلا حدود”، أن المنظمة “نشطت في تقديم خدمات الصحة الإنجابية والجنسية مجّاناً في عياداتها في بيروت وعرسال والهرمل ووادي خالد (عكار) لمختلف الجنسيات، منذ العام 2008. بحيث تشمل خدماتها رعاية ما قبل الولادة وما بعد الولادة وتغطية تكاليف الولادة، بالإضافة إلى خدمات منع الحمل. لكن لسوء الحظ، وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الخدمة في محافظة بعلبك – الهرمل، تواجه المنظمة حاليّاً واقعاً صعباً في مدى القدرة على تكييف مواردها ومخصّصاتها لتلبية الاحتياجات العاجلة. وقد تفاقمت المعاناة بسبب شحّ التمويل. ونتيجة لذلك، اتخذنا هذه السنة القرار الصعب بالتوقف عن استقبال حالات جديدة لنساء حوامل في عياداتنا في منطقتَي عرسال والهرمل. غير أنّنا ملتزمون بمتابعة الحالات السابقة وبتغطية تكاليف عملية الولادة”.
وأعلن الفريق الطبي أنه “خلال العامين المقبلين، ستبذل المنظمة جهوداً حثيثة للبحث عن شركاء أو جهات صحية فاعلة في منطقتَي عرسال والهرمل، يمكنها تقديم خدمات مماثلة، ما يضمن استمرار النساء الحوامل في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية. فالمنظمة لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات بشكل شامل، غير أنّها تبقى يقظة لتطورات الأوضاع في لبنان، لتقييم قدرتها على الاستجابة المحتملة لحالات الطوارئ المتزايدة”.