مع تولي الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تبرز تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين دمشق وموسكو، خاصة فيما يتعلق باستمرار القواعد العسكرية الروسية في البلاد. وتؤكد تصريحات المسؤولين السوريين أن الإدارة الجديدة منفتحة على بقاء هذه القواعد، لكنها تشترط تحقيق مصالح وطنية واضحة مقابل ذلك.
وقال وزير الدفاع السوري في الإدارة الانتقالية، مرهف أبو قصرة، إن سوريا منفتحة على استمرار الوجود العسكري الروسي، ولكن بشرط أن يكون ذلك متماشياً مع المصالح الوطنية السورية. وأضاف في تصريح لصحيفة “واشنطن بوست”: “لا ديمومة للعداء في العلاقات السياسية الدولية، وهذا الأمر ينطبق على الوجود العسكري الروسي”.
وأكد أبو قصرة أن التفاوض مع موسكو بشأن القواعد الروسية في طرطوس وحميميم سيكون محكوماً بمعايير تخدم مصلحة سوريا أولاً، مشدداً على أن المرحلة المقبلة ستشهد مراجعة للاتفاقيات التي تم توقيعها خلال عهد الرئيس السابق بشار الأسد. كما أشار إلى أن الإدارة الانتقالية طرحت خلال زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى دمشق مسألة تسليم الأسد، ما يعكس تحولاً كبيراً في العلاقة بين الجانبين.
اقرأ أيضاً: مرهف أبو قصرة: منفتحون على بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا – 963+
الوجود الروسي والمطالب السورية الجديدة
ترى علا شحود، المتخصصة في الإعلام والعلاقات الدولية، أن “موسكو تسعى للحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، إلا أن الإدارة الجديدة تريد إعادة التفاوض بشأن الشروط التي أُبرمت في السابق”. وأوضحت في تصريحات لموقع “963+” أن “دمشق عرضت فكرة تسليم الأسد كجزء من صفقة قد تضمن بقاء الروس، ولكن بشروط جديدة تعزز من استقلالية القرار السوري”.
وأشارت شحود إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي هاكان فيدان ناقشا الوضع السوري في كانون الثاني/ يناير الماضي، وأكدا على أهمية التوصل إلى تسوية شاملة تحترم سيادة سوريا ووحدتها. ورأت أن هذه المحادثات قد تشكل أرضية جديدة للعلاقات بين دمشق وموسكو.
من جانبه، صرّح الخبير في الشأن الروسي، سليم علي، بأن “الإدارة السورية الجديدة تسعى للحصول على دعم عسكري ومالي من موسكو، خاصة بعد الدمار الذي لحق بالقدرات العسكرية السورية جراء الضربات الإسرائيلية”.
وأوضح علي، في تصريحات لـ”963+” أن “الجيش السوري الجديد بحاجة إلى إعادة تنظيم وتسليح”، مشيراً إلى أن “غالبية المقاتلين السوريين مدربون على استخدام الأسلحة الروسية، مما يجعل استمرار التعاون العسكري مع موسكو خياراً منطقياً وعملياً في المرحلة الحالية”.
وأضاف الخبير في الشأن الروسي، أن دمشق مستعدة للإبقاء على القواعد الروسية “مقابل الحصول على مساعدات عسكرية أو مالية، سواء عبر صفقات تسليحية جديدة أو دعم اقتصادي مباشر، كما أن سوريا تسعى للحصول على التكنولوجيا العسكرية الروسية لتعزيز قدراتها الدفاعية خاصة بعد أن دمرتها إسرائيل مع سقوط النظام السوري السابق. ولفت إلى أن “لا عداوات دائمة بين الدول، بل مصالح دائمة تحكم العلاقات الدولية”.
اقرأ أيضاً: مصير الأسد ومصالح روسيا.. تسوية سياسية أم صفقة كبرى؟ – 963+
تحول غير متوقع في الموقف الروسي
في هذا السياق، أكدت الدكتورة سماهر الخطيب، المتخصصة في العلاقات الدولية والديبلوماسية، أن “روسيا تبدو أكثر انفتاحاً على التعاون مع القيادة السورية الجديدة، رغم أنها كانت الداعم الرئيسي للأسد خلال السنوات الماضية”. وأوضحت الخطيب لـ”963+” أن زيارة وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق ولقائه بالرئيس أحمد الشرع “تعكس استعداد موسكو للتعامل بمرونة مع المتغيرات الجديدة في سوريا”.
ورأت الخطيب أن “استمرار القواعد الروسية يمكن أن يشكل ورقة توازن بين القوى الدولية، ولكن بشرط أن يقوم على المصالح المتبادلة وليس التبعية”. وأضافت أن الحكومة السورية الجديدة “ترفض الانصياع للضغوط الغربية التي تربط رفع العقوبات بإنهاء الوجود الروسي، وهو ما يعكس توجه القيادة الجديدة نحو بناء تحالفات استراتيجية متعددة”.
وأكدت أن المرحلة الحالية تركز على “إعادة بناء الدولة وتعزيز سيادة القانون، وهو ما يسعى الرئيس أحمد الشرع إلى تحقيقه من خلال سياسة خارجية متوازنة تضمن استقلال القرار السوري”. وأشارت إلى أن “الإدارة الجديدة لن تقبل بإملاءات خارجية تحدد مستقبل سوريا، بل تسعى لصياغة رؤية وطنية مستقلة”.
وفي ضوء هذه التطورات، يتفق المحللون على أن دمشق تتجه إلى إعادة رسم معالم العلاقة مع موسكو، “ليس من منطلق الحاجة إلى الحماية أو التبعية، بل من منطلق تحقيق المصالح الوطنية السورية. الإدارة الجديدة تسعى إلى توظيف العلاقات الدولية بما يخدم إعادة الإعمار، الاستقرار، وتعزيز السيادة، دون الخضوع لإملاءات خارجية، سواء من روسيا أو من الغرب”.