مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تثار التساؤلات حول مستقبل التواجد الروسي في سوريا، لا سيما أن موسكو كانت الحليف الأبرز الذي دعم الأسد طيلة سنوات الصراع، وساهمت قواتها الجوية في تغيير خرائط السيطرة في البلاد.
ولم تكن العلاقة بين موسكو ودمشق وليدة اللحظة، فقد وصفت الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية سوريا بأنها “تمسك بمفتاح البيت الروسي”، واعتبرتها “حديقة منزلها الخلفية”. اليوم، تغير الواقع السوري بشكل جذري، مما يفرض تحديات جديدة على العلاقة بين البلدين.
وتسعى روسيا، التي كانت داعماً رئيسياً للأسد، إلى التفاهم مع الإدارة السورية الجديدة لضمان احتفاظها بقاعدتيها العسكريتين في طرطوس وحميميم، اللتين تعدان ركيزتين أساسيتين لنفوذ موسكو في الشرق الأوسط.
مستقبل التواجد الروسي في سوريا
يؤكد مصطفى خالد المحمد، الأكاديمي والمستشار السياسي المقيم في موسكو، أن “التواجد الروسي سيستمر، لكن مع قيود على حركة وتنقل القوات الروسية بقرار من الحكومة الجديدة في دمشق”.
ويضيف المحمد لموقع “963+”: “موسكو مستعدة للحوار، خاصة أن الكرملين ينظر إلى العلاقة بين البلدين على أنها تاريخية، ولا تقتصر على الأسد وبوتين”.
ومن بين الملفات التي بدأت موسكو بفتحها، بحسب المحمد، هو إزالة “هيئة تحرير الشام” وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) من قوائم الإرهاب، ما يشير إلى احتمال إعادة تأهيله سياسياً.
كما لم يستبعد المحمد إمكانية تسليم الأسد، خاصة أن بوتين كان قد وقع في 2022 قراراً يسمح بتسليم المجرمين، باستثناء من حصلوا على اللجوء السياسي.
ويرى الأكاديمي، أن “موسكو قد تستخدم ورقة تسليم الأسد للحكومة الانتقالية شريطة الحفاظ على مصالحها في سوريا، خاصة أن دمشق ترغب أيضاً ببقاء روسيا في البلاد، لتجنب الضغوط الأوروبية والمحافظة على توازن القوى الدولية”.
بدوره، يشير محمود الأفندي، الأمين العام للحركة الشعبية السورية الديبلوماسية، إلى أن الشرع طالب مسؤولين روس بمساعدة دمشق في العدالة الانتقالية، بما في ذلك تسليم الأسد وكبار ضباطه المتواجدين في روسيا.
لكن المحلل السياسي، الأفندي وفي تصريحات لـ”963+”، يستبعد أن توافق موسكو على تسليم الأسد. ويضيف: “دمشق أبدت قلة خبرة سياسية بمثل هذا الطلب، فروسيا لن تسلم أشخاصاً حصلوا على لجوء إنساني”.
ضغوط غربية ومواقف متباينة
يقول الأفندي، إن الإدارة السورية الجديدة تعرضت “لتهديدات غربية غير مباشرة” بشأن الوجود الروسي في سوريا، مقابل تلقي الدعم ورفع العقوبات.
وكان قد انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما وصفه بـ”محاولة استبعاد روسيا والصين وإيران من التسوية السورية”، معتبراً أن ذلك يكشف “خطط الغرب لإبعاد المنافسين”.
ويرى الأفندي أن موقف الغرب الرافض للوجود الروسي في سوريا “قد يدفع دمشق إلى تعزيز تحالفها مع موسكو”. لكنه يشير إلى أن روسيا تدرك أن سوريا لم تعد حليفاً أساسياً لها كما في السابق، ما قد يدفعها إلى نقل ثقلها الاستراتيجي إلى دول أخرى مثل ليبيا أو الجزائر في البحر المتوسط، أو السودان على البحر الأحمر.
ويضيف الأفندي لـ”963+”: “اللقاء الأخير بين موسكو ودمشق لا يمكن البناء عليه لإعادة العلاقات، لكنه قد يكون رسالة من الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى الدول الغربية التي لا تزال سياستها حيال دمشق متجمدة، رغم الوعود برفع العقوبات ببطء”.
وفي 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، زار وفد روسي بقيادة ألكسندر لافرينتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي، العاصمة دمشق، في أول زيارة من هذا المستوى منذ سقوط نظام الأسد. وأسفر اللقاء عن الاتفاق على استمرار المشاورات بين موسكو ودمشق لضمان المصالح الروسية في البلاد.
ويشير الأفندي إلى أن روسيا “تحاول كسب الوقت للحفاظ على تواجدها العسكري لأطول فترة ممكنة، بينما تراقب مواقف دمشق والدول الغربية”. ويرى أن القيادة السورية “قد تحتاج موسكو في مجالات التسليح وإعادة هيكلة الجيش”.
أما فيما يخص “هيئة تحرير الشام”، فيلفت الأفندي إلى أن مجلس الأمن صنفها منظمة “إرهابية” بموجب القرار 2170، ما يعني أن إزالتها من قوائم الإرهاب تحتاج إلى موافقة جميع الدول الأعضاء.
ويرى أن روسيا قد تستخدم الفيتو كورقة ضغط ضد الشرع، لكنها في الوقت ذاته براغماتية وقد تسعى لعلاقات مع الفصائل المسلحة كما فعلت مع طالبان في أفغانستان.