في حوار خاص مع موقع “963+”، تحدث الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، الدكتور سمير تقي، عن المشهد السياسي والعسكري في سوريا، مشدداً على ضرورة تبني مقاربة وطنية لإنهاء التبعية للأطراف الإقليمية وإعادة بناء المؤسسات على أساس وطني يضمن حقوق كافة المكونات. كما تناول مستقبل اللامركزية في شمال شرقي سوريا، والعلاقات السورية-التركية، والدور العربي في استقرار البلاد. فيما يلي نص الحوار:
بداية، كيف تقيم الوضع السياسي في سوريا اليوم، خاصة في ظل استمرار الوجود العسكري الأجنبي؟
تقي: الوضع في سوريا يتطلب معالجة سياسية وطنية بعيدة عن أي تبعية إقليمية. استمرار التواجد العسكري الخارجي، سواء التركي أو غيره، يجعل سوريا ساحة لصراعات القوى الكبرى، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً. المطلوب هو إعادة بناء المؤسسات، وعلى رأسها الجيش، وفق عقيدة وطنية مستقلة تماماً، بعيداً عن أي أجندات خارجية.
هل تعتقد أن هناك فرصة لتحقيق لامركزية حقيقية في سوريا؟
تقي: اللامركزية ليست مجرد فكرة نظرية، بل أصبحت ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار. هناك قانون أصدره الرئيس السوري السابق بشار الأسد سابقاً (القانون 107)، الذي يتضمن بعض عناصر الفيدرالية وليس فقط اللامركزية، لكنه لم يُفعَّل بجدية. المناطق الشرقية، مثل شرق الفرات، كانت تعاني من التهميش لعقود طويلة، وهذا أدى إلى بطالة مرتفعة وتراجع اقتصادي وثقافي.
حالياً، هناك تطورات إيجابية، حيث أبدت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) استعداداً للاندماج في النسيج الأمني السوري مع الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية. في رأيي، لا ينبغي أن تكون اللامركزية محصورة في منطقة واحدة، بل يجب أن تُطبَّق في جميع أنحاء سوريا، بحيث يكون للأقاليم دور أكبر في اتخاذ القرارات المحلية، خاصة فيما يتعلق بالأمن والإدارة المدنية.
كيف يمكن أن تسهم اللامركزية في مكافحة الفساد؟
تقي: اللامركزية تساعد على توسيع قاعدة الحكم وتقليل الاحتكار السياسي والإداري، مما يحد من الفساد ويمنح أبناء المجتمعات المحلية قدرة أكبر على إدارة شؤونهم. لكن نجاح هذا النموذج يتطلب مفاوضات جدية مع جميع الأطراف، واستعدادًا لبناء الثقة تدريجيًا قبل عقد مؤتمر وطني يكرس هذه التوافقات.
هناك تقارير تفيد بأن تركيا تفكر في إنشاء قواعد عسكرية في غرب سوريا. كيف ترى هذا التوجه؟
تقي: أعتقد أن إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في سوريا سيكون خطأً استراتيجياً كبيراً، لأنه سيعقد الوضع أكثر، كما أنه قد يمنح إسرائيل ذريعة لاستمرار احتلالها لمناطق معينة، فضلاً عن تغذية الصراع الإقليمي على النفوذ في شرق البحر المتوسط. سوريا يجب أن تركز على بناء مؤسساتها العسكرية والأمنية على أسس وطنية، وليس ضمن تحالفات تفرض عليها أجندات خارجية.
في ظل التغيرات الإقليمية، هل تعتقد أن سوريا باتت في مهب الإرادة التركية؟ وكيف ترى مستقبل سوريا في الأفق المتوسط؟
تقي: لا، هذا تصور غير دقيق. سوريا ليست دمية في يد أي طرف، ولا يمكن اعتبارها حليفاً استراتيجياً مطلقاً لتركيا. الواقع أكثر تعقيداً، فهناك موازين قوى إقليمية ودولية تلعب دورها في تحديد مستقبل سوريا.
مستقبل سوريا في المدى المتوسط يعتمد على محيطها العربي، وليس على القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا أو إيران. الدور العربي سيكون أساسياً في إعادة تعافي سوريا وبلوغ السلم الأهلي. السوريون بحاجة إلى الشعور بسيادتهم واستقلالية قرارهم الوطني، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مصالحة وطنية حقيقية تشمل جميع المكونات.
بعد تنصيب الرئيس أحمد الشارع، كانت أول زيارة له إلى الرياض. هل ترى أن هذه خطوة لتعزيز العلاقات مع العالم العربي؟ وما أهمية هذه الخطوات في بناء شرعية الدولة؟
تقي: بلا شك. الزيارة جاءت في إطار توجه جديد نحو المحيط العربي. خلال مؤتمرَي العقبة والرياض، وُضعت خارطة طريق لإعادة سوريا إلى المسار الصحيح، بالتعاون مع تركيا، القوى الأوروبية، وواشنطن. الدول العربية، بقيادة السعودية، تسعى إلى بناء شرعية سياسية لسوريا بعيدة عن النموذج الإسلاموي أو الحكم العسكري. عودة السلطة إلى الشعب وإجراء مصالحة وطنية شاملة سيكونان عنصرين أساسيين في إعادة بناء سوريا.
وهذه الخطوات ضرورية لتمهيد الطريق أمام التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، والتي لن تكون ممكنة بدون مشاركة عربية واسعة، سواء عبر المساعدات أو المشاريع المشتركة. لكن كل هذا يعتمد على قدرة الإدارة السورية الجديدة على إدارة التحول الاقتصادي والسياسي بشكل مقبول.
في ظل الحديث عن مستقبل سوريا، كيف يمكن إدارة التنوع المجتمعي بشكل فعال؟
تقي: التنوع المجتمعي في سوريا يجب أن يُدار بحكمة. النظام السابق فكك البُنى الاجتماعية التقليدية ولم يسمح بتطوير مؤسسات مدنية قوية. لكن رغم ذلك، سوريا ليست مجرد فسيفساء طائفية وعرقية، بل تمتلك مجتمعًا سياسيًا نشطاً يضم رجال أعمال ونخب ثقافية وبيروقراطية واسعة. من الضروري اعتماد نموذج حكم يسمح بتمثيل الجميع، وليس فرض مركزية بالقوة.
التجارب الدولية أثبتت أن الحل يكمن في مرحلة انتقالية تسبقها حوارات وطنية شاملة للوصول إلى توافقات مجتمعية. أي محاولة لفرض نموذج موحد بالقوة لن يُكتب لها النجاح. يجب أيضاً الانتباه إلى أن تفكيك الفصائل المسلحة بشكل قسري قد يؤدي إلى نتائج عكسية، في ظل استمرار التهديدات الأمنية، مثل نشاط خلايا “داعش”.
في الختام، كيف يمكن لسوريا تجاوز هذه التحديات وبناء مستقبل أكثر استقراراً؟
تقي: الحل يكمن في نهج شامل يجمع بين المصالحة الوطنية، إعادة بناء الشرعية السياسية، واللامركزية الإدارية. يجب أن يكون هناك حوار وطني يشمل جميع المكونات، مع إعطاء الأولوية لبناء مؤسسات قادرة على استعادة الثقة الشعبية.
إعادة الإعمار لن تكون ممكنة بدون بيئة استثمارية مناسبة، وهذا يتطلب إصلاحات اقتصادية عميقة ودعماً عربياً ودولياً مدروساً. سوريا تمتلك إمكانيات كبيرة، لكن تجاوز التحديات الراهنة يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ونهج متوازن يحقق مصالح جميع الأطراف.