هنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الأربعاء، رئيس الفترة الانتقالية السورية أحمد الشرع على توليه المنصب، وأكد على دعم باريس للمرحلة الانتقالية في سوريا ودعاه إلى زيارة فرنسا خلال الأسابيع القادمة، سبق ذلك توجه الشرع إلى السعودية كأول زيارة خارجية له منذ تولي المنصب وسقوط نظام بشار الأسد، فهل سنرى دوراً فرنسيا وسعودياً محورياً في سوريا كما حدث في لبنان، وما هو موقف اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين؟
الرئاسة السورية قالت في بيان، إن ماكرون هنأ الشرع بتوليه المنصب وتحرير سوريا من سيطرة نظام بشار الأسد، وأكد على دعم باريس لرفع العقوبات عن سوريا وفتح المجال للنمو والتعافي، وتشارك الرئيسان الحديث عن التحديات الأمنية وضرورة العمل بشكل مشترك لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسيادة أراضيها”.
ورغم أن فرنسا شريك أساسي في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، وساهمت بشكل أساسي في دعم الأعمال الإنسانية في سوريا خلال سنوات الأزمة، إلا أنها لم تكن فاعلاً أساسياً فيما يتعلق بالجانب السياسي والحراك الذي كان يعمل عليه في هذا الشأن، في ظل تولي كل من روسيا وتركيا وإيران قيادة هذا الملف.
اقرأ أيضاً: كيف سينعكس تخفيف العقوبات الأوروبية على الأوضاع الاقتصادية في سوريا؟
مساع فرنسية للعب دور
لكن مع سقوط نظام بشار الأسد مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أوفدت باريس وزير خارجيتها جان نويل بارو رفقة نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، إلى العاصمة السورية دمشق، والتقيا برئيس الإدارة الجديدة أحمد الشرع، وبحثا معه العملية السياسية في سوريا، وضرورة إنجازها ومشاركة جميع الأطراف والقوى السورية فيها.
وأواخر الشهر الماضي، أعلن بارو أن فرنسا رفعت بعض العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك قبل ساعات على إعلان مسؤولة السياسية الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن وزراء خارجية دول التكتل، اتفقوا خلال اجتماع بروكسل على تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، بما في ذلك القيود المفروضة على حركة الطيران والشحن والبنية التحتية المصرفية وقطاع الطاقة.
إيلاء أهمية للدور العربي
ورغم أن الإدارة السورية الجديدة، أكدت مراراً أنها تعمل على تحقيق التوازن في العلاقة مع المحيط العربي والإقليمي، بما يحقق مصالح سوريا والدول الأخرى، إلا أنه بدا واضحاً بحسب أغلب المحللين، إيلاء أهمية كبيرة للدور العربي، حيث كانت الزيارة الأولى للشرع خارجياً إلى السعودية، التقى فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
اقرأ أيضاً: خارطة إسرائيل والسيطرة على غزة والترحيل.. هل ينشئ ترامب شرق أوسط جديداً؟
وقال الشرع بعد لقائه بن سلمان، إن هناك “رغبة سعودية حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها”، مشيراً إلى أنه ناقش مع المسؤولين السعوديين خططاً مستقبلية لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة والصحة والتعليم، وتعزيز العمل الديبلوماسي والسياسي المشترك بين البلدين، وأن إدارته تسعى للوصول لشراكة حقيقية مع السعودية، بهدف حفظ السلام والاستقرار في المنطقة.
مساع لتحقيق التوازن وتجنب الصدام
الكاتب والباحث السياسي السوري حسام طالب المقيم في دمشق، يرى أن “إدارة رئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع تسعى لأن تكون عامل استقرار في المنطقة وليس عامل صدام ولا تريد لسوريا أن تكون ساحة صراع دولية أو إقليمية، لذلك عند الحديث عن دور فرنسي أو سعودي أو أميركي أو تركي، فلن يكون لأي طرف دور على حساب الآخر”.
يقول طالب في تصريحات لموقع “963+”، إن “مسألة الدور الإقليمي والدولي تزان من قبل إدارة الشرع من خلال مصلحة سوريا، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية أسعد الشيباني خلال مشاركته في مؤتمر دافوس، عندما قال: سوريا أولاً، إلا أن فرنسا والسعودية مرحب بهما كدولتين أوروبية وعربية لهما ثقل دولي، رغم أنه لا غنى عن العلاقة مع تركيا الجارة”.
اقرأ أيضاً: الشرع في السعودية.. زيارة أم رسالة سياسية؟
أصدقاء كثر
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة “موري ستايت” في مدينة كنتاكي الأميركية إحسان الخطيب، أن “من مصلحة سوريا الجديدة أن يكون لها أصدقاء كثر، وأن تكون لها علاقات مميزة مع كل طرف على ألا تهمل الأطراف الأخرى، والقيادة الجديدة تبدو حكيمة في التعامل مع الدول العربية والأجنبية، حيث أن العلاقات في نهاية المطاف هي مصالح”.
ويشير في تصريحات لـ”963+” إلى أن “الفرنسي والسعودي تدخلوا في لبنان لأن لبنان بحاجة لهم والأوضاع فيه تستدعي هذا التدخل، لكن سوريا دولة كبيرة ومهمة ومؤثرة ولاعب أساسي بسبب حجمها وموقعها”.
وذكر، أنه “على صعيد العالم فإن أميركا تحكم العالم إلا أن السعودية أهم دولة عربية وإسلامية، كما أن تركيا جارة كبيرة ومهمة، لذلك فإن العلاقة مع هذه الدول الثلاث هي الأهم وستكون مفتاح مستقبل سوريا، لكن لا يعني ذلك إهمال دور الأطراف الأخرى”.
وكان الشرع، قد أجرى زيارة إلى تركيا كوجهة ثانية بعد عودته من السعودية، والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعقد معه مؤتمراً صحفياً مشتركاً قال فيه إن سوريا تسعى لعلاقة استراتيجية عميقة مع تركيا في كل المجالات، فيما قال أردوغان أمس الأربعاء خلال كلمة في مؤتمر أمانة المرأة في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم: “ناقشنا العديد من القضايا في مختلف المجالات خلال زيارة الرئيس الشرع لأنقرة، واتخذنا قرارات مهمة سترسم مستقبلنا”.
وبحسب طالب، فإن سوريا عمقها عربي وهذا ما أكد عليه الشرع عبر زيارته الأولى الخارجية إلى السعودية، والعمق العربي يعني أن مصالح سوريا مع الدول العربية والإقليمية لكن في إطار توازن وليس إقصاء دولة على حساب دولة أخرى، مشيراً إلى أن إعادة الإعمار ستكون وفق عقود نظامية بين سوريا والدول التي ستشارك فيها، والأولوية فيها ليس لدولة معينة إنما لمن يحقق التطور لسوريا