خاص ـ بروكسل
انطلقت اليوم الأربعاء، في العاصمة البلجيكية بروكسل أولى جلسات المحكمة الطوعية التي تهدف إلى توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها تركيا في سوريا. وتأتي هذه المحاكمة إثر دعوى قضائية تقدمت بها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في خطوة رمزية نحو محاسبة أنقرة على انتهاكاتها بحق الأكراد في سوريا.
وتتميز هذه المحكمة، بحسب مصادر خاصة لموقع “963+”، بمشاركة قضاة أوروبيين وأكراد وأمميين، إضافة إلى منظمات حقوقية دولية، أبرزها الرابطة الأوروبية للمحامين من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان، والرابطة الدولية للمحامين الديموقراطيين، ومعهد بروكسل للدراسات الاجتماعية والسكانية.
كما يحضر الجلسات مدّعون عامون من دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا، إلى جانب ممثلين ديبلوماسيين للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في بروكسل وفرنسا ودول أوروبية أخرى.
وتستمر جلسات المحكمة يومي الأربعاء والخميس، حيث تتضمن الجلسة الأولى عرض الأدلة التي تدين تركيا، إلى جانب الاستماع لشهادات الضحايا وعائلاتهم الذين تعرضوا لانتهاكات من قبل الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له.
ويهدف هذا المسار إلى تمهيد الطريق أمام إطلاق مسار قضائي دولي يهدف إلى محاسبة أنقرة على ما وصفته منظمات حقوقية بجرائم الحرب.
ويأتي انعقاد هذه المحكمة في وقت تشهد فيه مناطق شمالي سوريا تصعيداً عسكرياً مستمراً من قبل تركيا، حيث تشن قواتها هجمات عنيفة منذ قرابة شهرين على منطقة سد تشرين بريف حلب الشمالي، بمساندة فصائل سورية موالية لها.
يشار إلى أن أنقرة شنت بين عامي 2016 و2018 ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري استهدفت قوات سوريا الديموقراطية(قسد)، وأدت إلى سيطرتها على ثلاث مدن ذات غالبية كردية، ما أسفر عن تهجير مئات الآلاف من السكان الأكراد.
وتعتمد هذه المحاكمات الرمزية على مبدأ المحاكاة للمحاكمات الحقيقية، حيث تُنظم من قبل مؤسسات مدنية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي لم يتم التعامل معها عبر النظام القضائي الرسمي. ويُعد هذا النوع من المحاكمات امتدادًا لتجارب دولية سابقة، مثل “المحاكم الشعبية” التي نظمتها جهات حقوقية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها بحق الفلسطينيين.
وتُعد المحكمة الدائمة للشعوب (PPT) من أبرز الهيئات التي تنظم مثل هذه المحاكمات، وهي مؤسسة دولية غير حكومية تأسست عام 1979 في بولونيا، إيطاليا، كامتداد لـ”محكمة راسل” التي عُقدت في الستينيات للتحقيق في جرائم الحرب الأميركية في فيتنام. ومنذ ذلك الحين، نظّمت المحكمة الدائمة جلسات تناولت قضايا دولية كالإبادة الجماعية في رواندا، وجرائم الحرب في العراق، واضطهاد الأقليات، وانتهاكات حقوق الإنسان.
ورغم أن المحكمة لا تمتلك صلاحيات تنفيذية لإجبار الدول أو الأفراد على الامتثال لأحكامها، إلا أن تقاريرها تُستخدم كأدوات ضغط سياسي ودبلوماسي، كما تشكل وثائق قانونية يمكن أن تساهم في تحريك دعاوى رسمية أمام المحاكم الوطنية والدولية.
وتعكس جلسات المحكمة الطوعية في بروكسل محاولة جادة لإلقاء الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها الأكراد في سوريا، وسط مساعٍ لفتح تحقيقات دولية رسمية لمحاسبة تركيا. وعلى الرغم من أن المحكمة ليست ملزمة قانونياً، إلا أن نتائجها قد تشكل أساساً لملاحقات قضائية مستقبلية، في إطار السعي لتحقيق العدالة الدولية ومساءلة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين في مناطق النزاع.