خاص ـ أحمد شعبان / حمص
تشهد الحدود اللبنانية-السورية، خصوصاً في منطقة ريف حمص الغربي، انتشاراً واسعاً لعمليات التهريب، التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل سياسية واقتصادية معقدة. وتلعب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، المتمثلة في تضاريس جبلية وعرة، دوراً أساسياً في صعوبة ضبط هذه العمليات، مما يجعلها مستمرة رغم جهود الحد منها.
مع تراجع سيطرة النظام السوري على مناطقه، ازدهرت عمليات التهريب عبر الحدود، حيث أصبحت المواد الأساسية كالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية ضمن أكثر السلع تهريبًا.
عبدُو أبو عرب، أحد سكان بلدة “أم جامع” السورية في حمص، القريبة من الحدود اللبنانية، يوضح آلية التهريب قائلاً لموقع “963+”: “يتم نقل هذه المواد عبر معابر غير شرعية، حيث يقوم المهرّبون من الداخل اللبناني بإيصال المحروقات والبضائع إلى المناطق الحدودية، ثم يتم تسليمها لمهرّبين وتجار سوريين، الذين يتكفلون بإدخالها إلى الداخل السوري”.
التهريب كوسيلة للعيش
في ظل انهيار الاقتصاد السوري وندرة فرص العمل، أصبح التهريب مصدر رزق رئيسي للكثيرين، حيث يعتبرونه وسيلة للبقاء وسط ظروف معيشية قاسية.
سلام أبو جاسم، أحد العاملين في هذا المجال، يتحدث عن تجربته قائلاً لـ”963+”: “نحن لا نملك خيارات أخرى. العمل شبه معدوم، والحياة صعبة للغاية. في السابق، كنا ندفع إتاوات لعناصر النظام وحواجزه لنتمكن من تمرير البضائع، إضافة إلى المخاطر التي واجهتنا أثناء العبور عبر القرى العلوية والشيعية. أما اليوم، فقد أصبحت الأمور أكثر سهولة، مما يتيح لنا تأمين احتياجات أطفالنا”.
وتنتشر على الحدود اللبنانية-السورية عشرات المعابر غير الشرعية، التي تُستخدم بشكل رئيسي لتهريب البضائع والمحروقات.
أبو ملك، أحد سكان قرية جوسية بريف القصير، يتحدث عن آلية عمل التهريب في منطقته: “نحن نتواصل مع مهربين لبنانيين يأتون بالبضائع والمحروقات من تجار داخل لبنان إلى الحدود السورية عبر شاحنات كبيرة. نقوم باستلامها هناك، ثم ننقلها إلى الداخل السوري لبيعها في الأسواق”.
ويضيف لـ”963+” أن الطلب على هذه المواد في السوق السورية مرتفع للغاية، خصوصاً المحروقات والمواد الغذائية، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
البحث عن مصادر رزق بديلة
لم يقتصر الانخراط في عمليات التهريب على المهربين التقليديين، بل امتد ليشمل طلاب الجامعات، الذين وجدوا فيها فرصة لتأمين احتياجاتهم اليومية وسط الظروف الصعبة.
مازن محمد، اسم مستعار لطالب في كلية التجارة والاقتصاد في سنته الرابعة، وأحد باعة المحروقات في ريف حمص الشمالي، يروي تجربته لـ”963+”: “انتشرت مؤخراً في المنطقة بسطات بيع البنزين والمازوت، لأن الناس بحاجة إلى مصدر رزق. أغلب المحروقات تصلنا من لبنان، نقوم بطلبها وتصلنا مباشرة إلى أماكن البيع”.
ويضيف محمد: “لدي طفلان بحاجة إلى مصاريف، وأنا طالب جامعي بدون عمل، فكيف لي أن أوفر تكاليف دراستي وحاجات عائلتي؟ وجدت في هذا العمل حلّاً لمعيشتنا، ونحن نعمل بعرق جبيننا كي لا نحتاج لأحد، مثلنا مثل كثيرين هنا”.
الواقع المعيشي يفاقم الظاهرة
يعكس انتشار التهريب تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، حيث يعاني السكان من انهيار البنية التحتية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ونقص الخدمات الأساسية. هذه العوامل دفعت كثيرين إلى البحث عن بدائل غير قانونية لكسب الرزق، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بهذه الأعمال.
وفي ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، تبقى عمليات التهريب جزءاً من المشهد الحدودي بين لبنان وسوريا، ما لم يتم إيجاد حلول اقتصادية وسياسية شاملة تحسن من الظروف المعيشية للسوريين، وتعيد ضبط الحدود بشكل فعّال.