بعد زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية، وصل رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، اليوم الثلاثاء إلى تركيا، في زيارة رسمية تأتي بعد قطيعة للعلاقات السورية-التركية استمرت 15 عاماً.
وكان رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، قد صرح عبر منصة “إكس” بأن الشرع يصل إلى أنقرة تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيراً إلى أن المحادثات ستركز على التعاون الاقتصادي والاستقرار والأمن في سوريا.
قبل وصوله إلى تركيا، زار الشرع، الأحد الماضي، العاصمة السعودية الرياض، برفقة وزير الخارجية أسعد الشيباني، حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وصرح الشرع عقب اللقاء قائلاً: “ناقشنا مع المسؤولين السعوديين خططاً مستقبلية لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة، الصحة، والتعليم، إضافة إلى تعزيز العمل الدبلوماسي والسياسي المشترك”.
اقرأ أيضاً: ملفات شائكة ونقاط خلاف.. ما مصير المفاوضات بين دمشق و”قسد”؟
أبرز الملفات على طاولة الحوار
بحسب الصحفي والباحث المتخصص في الشؤون التركية، سيد عبد المجيد، فإن المحادثات بين الشرع وأردوغان ستشمل عدة ملفات أساسية، أبرزها إعادة الإعمار، الاقتصاد، الاستثمارات التركية، والمساعدات الاقتصادية والاجتماعية.
ويضيف عبد المجيد لـ”963+” أن تركيا بدورها تضع أولويات مختلفة، حيث تركز بشكل أساسي على الملفات الأمنية، خصوصاً مستقبل قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وأشار عبد المجيد إلى أن تركيا تدرك أن مفاتيح حل ملف “قسد” ليست بيد الشرع، لاسيما بعد تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب استمرار الدعم الأميركي لهذه القوات، نافياً في الوقت ذاته صحة الأنباء المتداولة حول انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا.
من جانبه، أكد الشرع في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، أمس الاثنين، أن هناك مفاوضات جارية مع “قسد” لحل ملف شمال شرقي البلاد، مشدداً على أنه يتحفظ على كشف تفاصيل المفاوضات بسبب التدخلات الخارجية التي قد تعرقلها.
اقرأ أيضاً: الشرع في السعودية.. زيارة أم رسالة سياسية؟
ملفات أمنية وسياسية عالقة
الإعلامي والباحث في الشأن العربي، قحطان الشرقي، أوضح أن تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، إضافة إلى ملف “قسد”، سيكونان أبرز القضايا المطروحة خلال الزيارة، مضيفاً في تصريحات لـ”963+” أن هناك ملفات أخرى حساسة تشمل ترسيم الحدود بين البلدين، وإعادة اللاجئين السوريين، حيث تستضيف تركيا ما يقارب 3 ملايين لاجئ سوري، إلى جانب البحث في عملية الانتقال السياسي وترسيم الحدود البحرية.
وكشفت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الشرع سيبحث مع الرئيس التركي إمكانية إنشاء قواعد عسكرية تركية جديدة داخل سوريا، إضافة إلى استخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية. كما أشارت التقارير إلى أن المحادثات ستتضمن إمكانية توقيع اتفاق دفاعي بين البلدين وتدريب الجيش السوري الجديد.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي محمد عامر أن إنشاء قواعد عسكرية تركية جديدة، إن صحَّت التقارير، سيؤكد “التوجه الجديد للإدارة السورية الحالية نحو تعزيز الشراكة مع تركيا”، مشيراً إلى أن ذلك سيجعل أنقرة صاحبة الكلمة العليا في توجيه السياسة السورية المستقبلية.
ويضيف عامر لـ”963+” أن هذا النوع من الاتفاقات، مثلما حدث مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، غالباً ما يكون محاطاً بتساؤلات حول شرعيته، خاصة في ظل عدم وجود مؤسسات منتخبة في سوريا، محذراً من تداعياته على علاقات سوريا مع بعض الدول العربية، لاسيما الإمارات ومصر، اللتين تبديان قلقاً من النفوذ التركي المتزايد في المنطقة.
توازن العلاقات بين السعودية وتركيا
فيما يتعلق بمسألة التوازن بين السعودية وتركيا، يرى عامر أن “الشرع حاول تحقيق توازن ديبلوماسي عبر زياراته المتتالية، حيث بدأ بالسعودية ليؤكد انتماء سوريا لمحيطها العربي، ثم زار تركيا، التي تُعد الحليف الرئيسي له في المرحلة الانتقالية”.
من جهته، يرى الباحث قحطان الشرقي أن القيادة السورية الحالية تسعى إلى سياسة أكثر استقلالية، متجنبة الدخول في محاور إقليمية، مع التركيز على إقامة علاقات قائمة على المصالح المشتركة، ما قد يمنح سوريا دوراً أكثر تأثيراً في استقرار المنطقة مستقبلاً.
زيارة الشرع إلى تركيا تُعد خطوة محورية في إعادة تشكيل العلاقات السورية-التركية، خصوصاً في ظل الملفات العالقة التي تشمل الأمن، الاقتصاد، وإعادة اللاجئين. ورغم التحديات المرتبطة بمستقبل الشراكة بين البلدين، تبقى الأسابيع القادمة حاسمة في تحديد ملامح العلاقة بين دمشق وأنقرة ومدى قدرتها على تحقيق تفاهمات مستدامة.