بعد كل تصريح جديد أو مقطع فيديو مسرب من سوريا، يُظهر شيئاً من المظاهر الدينية، تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بالأصوات المتخوفة والمحذرة والمحرضة أحياناً بما يوحي بانعدام الأفق، واستعصاء رؤية أي مشهد متفائل لسوريا القادمة، خاصة الأقليات بشكل عام، والنساء بشكل خاص بما يشبه الميمز المازح “ولي صرنا أفغانستان”. ورغم تطمينات الإدارة الجديدة في البلاد لكلا الطرفين السابقين – الأقليات والنساء- إلا أن التشاؤم يبقى سيد الموقف.
في تجربة أفغانستان مثلاً، حيث تعرضت النساء تحت حكم طالبان لقوانين صارمة، – يجب ملاحظة أن لا قوانين مقيدة للنساء في سوريا حتى اللحظة- لكن النساء الأفغانيات استطعن في بعض المناطق بناء شبكات دعم صغيرة للحفاظ على التعليم والعمل رغم القيود، وهو ما قد يكون نموذجاً يمكن أن تستفيد منه النساء السوريات، في حال فرضت مثل هذه القوانين رغم استبعادي الشخصي لمثل هكذا مستقبل.
لا أنكر أن بعض التصريحات التي صدرت عن المتحدث باسم الإدارة الجديدة عبيدة أرناؤوط والسيدة عائشة الدبس المكلفة بإدارة مكتب شؤون المرأة، التي أوحت بنية واضحة لتحجيم دور المرأة وإبعادها عن الحياة السياسية أوعن مراكز القيادة بشكل عام، مما أثار حفيظة السوريات والسوريين، وعلت الأصوات مطالبة بالاعتذار وإثبات حسن النية، وبالفعل جاء الرد سريعاً بتعيين عدد من السيدات في مواقع مهمة وحيوية وعلى رأسهم على سبيل المثال لا الحصر، تعيين السيدة ميساء صابرين حاكمة لمصرف سوريا المركزي كأول امرأة تشغل هذا المنصب بتاريخ سوريا.
كما عقد في دمشق لأول مرة أيضاً، مؤتمر الحركة النسوية السياسية السورية والتي تضم مجموعة كبيرة من السياسيات السوريات من مختلف الانتماءات ومن مشارب متنوعة ومتناقضة أحياناً.
التحديات التي تواجهها المرأة السورية اليوم تعكس تعقيد المشهد السوري بشكل عام. لكن علمتنا التجارب التاريخية، فإن النساء غالباً ما يكنّ في طليعة التغيير، وهو ما يمكن أن يحدث في سوريا إن توفرت الإرادة والدعم الكافيين.
بالمقابل فإن تهميش النساء في المجتمعات العربية إجمالاً ليس في سوريا وحدها، إذ عانت النساء على مدى عقود من تمييز ممنهج وغياب فرص المشاركة السياسية والاجتماعية، ورغم بعض المحاولات لتحسين واقعهن، إلا أن الفساد والظلم السياسي والاجتماعي كانا عائقين أمام تحقيق تغيير حقيقي في بعض بلادنا العربية، أما في سوريا فإن السلطة السابقة حاولت أن تعطي النساء بعض المكتسبات من خلال تعيين نائبة للرئيس وبعض الوزيرات ووصول النساء إلى مجلس الشعب وشغلهن مختلف المناصب، أيضاً المساواة في المرتبات والترفيعات الوظيفية وما إلى ذلك ولكن بالطبع لم يكن هناك أي تساوي في القوانين المتعلقة بالإرث أو الطلاق أو الزواج أو الحضانة.
وبعد سقوط النظام نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا على أسس ديموقراطية وآمنة، حيث تُحترم حقوق الإنسان وتُتاح الفرص للجميع، بمن فيهم النساء.
لكن هذه الفرصة لن تتحقق إلا إذا تم إعطاء قضايا المرأة الأولوية، ليس كشعارات سياسية، أو تطمينات لمجرد التطمين، بل كسياسات واقعية وممارسات حقيقية، فالمرأة السورية ليست مجرد ضحية للنزاعات، بل هي أيضاً قوة فاعلة في المجتمع، لعبت دوراً حيوياً خلال الحرب في التعليم، والرعاية الصحية، والدفاع عن حقوق الإنسان واليوم، تقف سوريا -البلد الخارج من سلطة الاستبداد- أمام تحديات كبيرة سواء اقتصادية أو سياسة أو حقوقية أو إنسانية لا مفاضلة بينها، وفيها يجب أن تُمنح المرأة السورية الفرصة لمواصلة دورها الفاعل في المجتمع في السياسة، والاقتصاد وعليه لابد من صياغة دستور يضمن المساواة التامة بين الجنسين، ويحمي حقوق المرأة في العمل، والتعليم، والميراث، والمشاركة السياسية، وإصدار قوانين صارمة تحمي النساء من جميع أشكال العنف، وتوفير مراكز دعم نفسي واجتماعي للناجيات، وتخصيص نسبة مقاعد في البرلمان لهن لضمان تمثيل عادل.
وبالطبع فإن سوريا بحاجة إلى جذب استثمارات تُعيد الحياة إلى الاقتصاد وتوفر فرص العمل، وإعادة الإعمار وتكون النساء جزءاً أساسياً من هذه العملية، سواء كعاملات أو رائدات أعمال، ما سيكون له تأثير إيجابي مضاعف على الأسرة والمجتمع ككل.
السؤال المطروح من الجميع اليوم: هل أحمد الشرع وقادة هيئة تحرير الشام مستعدون لتقديم رؤية متكاملة لتحسين واقع النساء؟
إذا كان الجواب إيجابياً، فإن سوريا ستكون أمام بداية جديدة تُلهم دول الربيع العربي، وتكون مثالاً يحتذى فيما بعد انتصار الثورات، وإذا لم تُعطَ هذه القضايا الأولوية، فقد نفقد فرصة ذهبية لبناء دولة قوية ومتوازنة.
مستقبل النساء في سوريا ليس قضية هامشية، بل هو اختبار حقيقي لمدى جدية المرحلة الانتقالية في تحقيق العدالة والمساواة، ولكن النجاح يعتمد على الخطوات العملية التي تُتخذ اليوم لضمان حقوق المرأة وتمكينها لتكون جزءاً أساسياً من بناء سوريا الجديدة.
الحرب في سوريا كشفت عن شجاعة النساء وقدرتهن على الصمود في وجه الأزمات ورغم كل هذه التحديات، هناك جيل جديد من النساء السوريات يرفعن شعار التغيير. نساء شابات يُحاولن كسر القيود والتأثير في المجتمع بطرق مبتكرة.
قد لا يكون المستقبل وردياً، ولكنه ليس مظلماً، ويبقى الأمل موجوداً في أن تُعطى المرأة السورية فرصةٍ لإحداث تغيير حقيقي في مواصلة العمل نحو مجتمع أكثر عدلاً ومساواة وكلمة السر هي تمكين المرأة وتعزيز وعي المجتمع بأهمية دورها في النهوض بالوطن.