تستمر المفاوضات الإدارة السوري الجديدة وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) بشأن انخراط الأخيرة في الجيش السوري الجديد ومسألة تسليم السلاح، وسط تبادل التصريحات الإيجابية من الطرفين، رغم وجود نقاط خلافية وتفاصيل يجري التباحث بشأنها أحدها تتعلق بشكل الاندماج في الجيش.
وبينما تسعى “قسد” للحصول على خصوصية لقواتها ومناطق نفوذها، ترفض دمشق علناً إعطاء امتيازات لأي مكون أو فصيل في الجغرافية السورية، وتشير إلى أن الحقوق تُضمن في دستور يتفق عليه السوريون.
وتستمر وزارة الدفاع السورية في العمل على تشكيل الجيش السوري الجديد، والتخلص من حالة الفصائلية، وتصر على حصر السلاح بيد الدولة، وحل الفصائل لنفسها والانضمام إلى الجيش.
وقال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، أمس الاثنين في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، إن “هناك مفاوضات مع قوات سوريا الديموقراطية لحل ملف شمال شرق البلاد”، وإنه “يتحفظ على ذكر التفاصيل بخصوص المفاوضات لأن هناك دول لا تريد إنجاحها”.
وأضاف: أن “قسد أبدت استعدادها لحصر السلاح في يد الدولة لكن هناك خلافات بشأن بعض الجزئيات”. لافتاً إلى أنه “يسعى إلى تجنيب البلاد حالة المحاصصة في المناصب والكفاءة هي المعيار، وأنهم في مرحلة إعادة بناء القانون في البلاد”.
من جهته قال قائد قوات سوريا الديموقراطية، مظلوم عبدي: “هناك مفاوضات بين الشرع وقوات سوريا الديمقراطية، وموقفنا سيعتمد على نتائج المفاوضات”، مضيفاً أن “زيارات مسؤولي قسد إلى دمشق ستستمر لمحاولة الوصول إلى تفاهم مع السلطات الجديدة، وسنحاول باستمرار معرفة كيف ستبدو سوريا المستقبل”.
ولفت إلى أن “رؤية قوات سوريا الديمقراطية تقوم على الحوار والتفاهم”، مضيفاً أن التحالف الدولي يتوسط بين “قسد” والسلطات في دمشق.
مفاوضات مستمرة
يقول صلاح قيراطة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لموقع “963+”، إنه حتى تاريخ اليوم، لا تزال المفاوضات بين “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) والسلطات السورية الجديدة مستمرة، ولم تصل إلى طريق مسدود. تهدف هذه المفاوضات إلى تحديد مستقبل المناطق الشمالية الشرقية من سوريا ودور “قسد” في الهيكلية الدفاعية السورية المستقبلية.
ويضيف أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، أكد أن المفاوضات مع الإدارة السورية الجديدة مستمرة بهدف بناء رؤية مشتركة لمستقبل سوريا، مع التشديد على أهمية بقاء القوات الأميركية في البلاد لمنع عودة تنظيم “داعش”.
بالإضافة إلى ذلك، أشار وزير الدفاع السوري إلى أن المفاوضات لا تزال قائمة مع “قسد”، وأن الإدارة السورية الجديدة تفضل الحلول السلمية، لكنها مستعدة للجوء إلى القوة إذا لزم الأمر، بحسب قيراطة.
ويشير إلى أنه “حتى الآن، لا توجد معلومات موثوقة تشير إلى أن “قسد” تسعى للانفصال عن سورية. على العكس، أكدت “قسد” رغبتها في أن تكون جزءاً من سوريا موحدة، مع السعي لتحقيق نظام لا مركزي يضمن حقوق جميع المكونات.
اقرأ أيضاً: الشرع رئيساً انتقالياً لسوريا: انقلاب على إرادة الشعب أم خطوة ضرورية؟
ووفقاً لرأي قيراطة، فإنه في ظل التطورات الأخيرة في سوريا، برزت عدة ملفات شائكة بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع. من أبرز هذه الملفات؛ مستقبل قسد والاندماج العسكري، إذ تطالب الإدارة السورية الجديدة بحل “قسد” ودمج مقاتليها فردياً في الجيش السوري الجديد، وهو ما ترفضه “قسد” التي تسعى للحفاظ على هيكليتها كقوة عسكرية مستقلة أو كجزء موحد ضمن وزارة الدفاع السورية.
بالإضافة إلى نظام الحكم واللامركزية، حيث تدعو “قسد” إلى إقامة دولة سورية علمانية، مدنية، لا مركزية تضمن حقوق جميع المكونات العرقية والدينية، في المقابل، تركز الإدارة السورية الجديدة على مركزية السلطة في دمشق، مع بعض التلميحات إلى قبول شكل من أشكال اللامركزية، دون تقديم تفاصيل واضحة.
كما يبرز تقاسم الموارد والثروات كأحد النقاط الخلافية بين الطرفين، لا سيما أن “قسد” تسيطر على مناطق غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة، وتطالب الإدارة السورية الجديدة بنقل السيطرة على هذه الموارد إليها، بينما تؤكد “قسد” على ضرورة توزيع هذه الثروات بشكل عادل يخدم جميع السوريين.
وتعتبر العلاقات مع القوى الخارجية، واحدة من الملفات، حيث تتلقى “قسد” دعماً من الولايات المتحدة وحلفائها، بينما تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى بناء علاقات دولية متوازنة. هذا التباين يخلق توترات، خاصة مع الضغوط التركية المستمرة ضد “قسد” وتهديداتها بالتدخل العسكري في مناطق سيطرتها، وفقاً لقيراطة.
ويضيف أو هناك خلاف على كيفية إدارة المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، خاصة تلك ذات الأغلبية العربية، وضمان تمثيل عادل لجميع المكونات في هياكل الحكم المحلية. تعكس هذه الملفات تعقيدات المشهد السوري الحالي، وتستدعي حواراً مستفيضاً بين الأطراف المعنية للوصول إلى حلول تضمن استقرار البلاد ووحدة أراضيها.
ملفات شائكة
عدا عن النقاط الخلافية بين الطرفين، فإن هناك خطوط حمراء لكل منهما، حيث تسعى “قسد” للحفاظ على الحكم الذاتي، وترفض أي صيغة تفاوضية تلغي أو تقلص الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا.
ويتابع أن “قسد” تعتبر أن حلّ قواتها أو دمجها بشكل غير مشروط في الجيش السوري خطاً أحمر، وتسعى في للوقت ذاته إلى تثبيت نموذج إداري لا مركزي يضمن استقلالية القرار المحلي، خاصة في القضايا الأمنية والتعليمية. كما أنها تريد الاحتفاظ بالسيطرة على عائدات النفط والغاز في المناطق التي تديرها.
ويؤكد قيراطة على أن “قسد” تخشى من إعادة سيطرة الأمن السوري على مناطقها، ما قد يؤدي إلى اعتقالات أو تصفيات لقياداتها. وتسعى في الوقت ذاته للحصول على اعتراف دستوري بحقوق الأكراد في سوريا، بما في ذلك استخدام اللغة الكردية رسمياً.
ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تصل المفاوضات بين “قسد” والحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع إلى طريق مسدود، نظراً للخلافات الجوهرية بين الطرفين. فقد أشار وزير الدفاع السوري إلى أن “الرؤية غير واضحة في التفاوض مع قسد حتى اليوم”، مؤكداً على أن “بناء القوات المسلحة لا يستقيم بعقلية الثورة والفصائل”.
كما أن الحل العسكري، يبقى مطروحاً بالنسبة لدمشق، بحسب قيراطة، وقد تلجأ الحكومة إلى استخدام القوة لاستعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، فقد صرح أحمد الشرع بأنه سيترك مجالًا للتفاوض معها، مؤكداً امتلاك الحكومة الحق في استخدام جميع الوسائل لاستعادة وحدة البلاد.
وقد يكون أحد الخيارات بالنسبة للشرع التعاون مع تركيا، ففي حال استمرار تمسك “قسد” بشروطها، قد تتعاون الحكومة السورية مع تركيا للضغط عليها، خاصة أن تركيا تعتبر “قسد” تهديداً لأمنها القومي.
في المقابل، قد تضطر قسد إلى تقديم تنازلات كبيرة، مثل تسليم السلاح والانضمام بشكل فردي إلى وزارة الدفاع السورية، لضمان بقائها في المشهد السياسي السوري. وقد تسعى “قسد” للحصول على دعم من قوى دولية أو إقليمية لتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط من الحكومة السورية وتركيا، وفق ما يرى قيراطة.
ويعتمد مسار الأحداث في سوريا على قدرة الطرفين على التوصل إلى تسوية سياسية تضمن مصالحهما المشتركة وتجنب تصعيد الصراع.
من جهته، يقول رائد المصري، أكاديمي ومحاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية، لموقع “963+”، إن المفاوضات لا تزال مستمرة، وتناقش ملفات شائكة بالنسبة للطرفين، ومنها انضمام “قسد” إلى وزارة الدفاع السورية، إذ يختلف الطرفان حول شكله وآليته.
اقرأ أيضاً: درعا إلى واجهة الأحداث.. ماذا ستحمل الساعات المقبلة؟
ويضيف أن شكل الدول يعتبر من أبرز الملفات الشائكة ويختلف حولها الطرفين، فبينما تسعى “قسد” إلى لا مركزية، تتحفظ دمشق على أي شكل من أشكال الخصوصية لأي منطقة أو مكون، وسبق أن صرّح الشرع بأن النظام الفيدرالي لن ينجح في سوريا بحكم عدم المعرفة الكافية في تطبيقه، وهو سيؤدي إلى انفصال أو تقسيم.
ويرى بأن حكومة تصريف الأعمال و”قسد” يقفان على مسافة واحدة من مطالبهما، بشأن شكل الدولة والجيش، وتسليم الأسلحة، وفي الوقت ذاته، لا يتوقع المصري أن نشهد انسداد لطريق التفاوض، في ظل توسط دولي بين الطرفين، وهو ما أكده قائد “قسد” مظلوم عبدي.
وكان قد قال الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع، إن الدول التي تدعم “قسد” تؤيد وحدة الأراضي السورية دون تقسيم أو خصوصية، مشيراً إلى أن التفاوض مستمر بين الجانبين.
مفاوضات متعثرة وتحتاج إلى وقت
في حين يرى آلان بيري، كاتب سياسي، يقيم في النمسا، بأن المفاوضات متعثرة وتستلزم الوقت لمعرفة واقع سوريا. والأهم بالنسبة للشرع إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية، وأيضاً محاولات سياسية لإثبات شرعيته مع النظام العالمي خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
ويضيف لموقع “963+” أن المفاوضات مع “قسد” يتركها لتفاصيل محددة على المستوى الداخلي، لكي يستشف ما يرغب به الداخل، وهذا ما يقوي عصبه السياسي أكثر، لذا فإنه يحتاج للكثير من الوقت.
ويعتبر أن أبرز الملفات الشائكة بين الجانبين، هو الحكم الذاتي وما إذا كان الدستور سيضمن حكم ذاتي أو لا مركزية، وهذا ما يشكل عثرة ومن الممكن أن يتسبب بعدوة في بقية المناطق السورية، وفق رأيه.
ويشير إلى أن إعطاء المكون الكردي حقوقه الشرعية والتاريخية في البلاد، يتطلب المزيد من الوقت والمفاوضات، وتبرز قوة الدولة في التعاطي مع مختلف مكونات الشعب السوري.