في أحد أحياء مدينة حمص السورية، وسط البلاد، يجلس معن الأحمد، موظف في البريد، مستعرضاً فواتير الشهر التي تتراكم أمامه. يضع يديه على جبينه، متأملاً تفاصيل راتبه الشهري الذي لا يكاد يكفي لتغطية حاجيات أسرته اليومية. ورغم زيادة الرواتب، فإن الأزمة الاقتصادية العميقة ما زالت تلاحقه، إذ تعيش حمص كما غيرها من المدن السورية، أزمة خانقة انعكست على كل جوانب الحياة اليومية.
ومنذ اندلاع الحرب السورية وحتى سقوط النظام السابق، كان الموظف الحكومي في سوريا يتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز 20 دولاراً أميركياً، وهو مبلغ ضئيل لا يلبي حتى الاحتياجات الأساسية للمواطن. كانت الأسعار مرتفعة بالنسبة للأجر الذي يحصل عليه الموظف، ما جعل الكثيرين منهم يعانون من تدهور مستوى حياتهم، في وقت كانت فيه الظروف الاقتصادية تشهد تراجعاً مستمراً، في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي حيث وصلت قبل سقوط النظام إلى ما يعادل 27 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.
التغييرات بعد تسلم الإدارة السورية الجديدة
مع سقوط النظام السابق، جاء التغيير على يد الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، التي كانت أمامها تحديات ضخمة لإعادة بناء البلاد. في كانون الثاني/ يناير 2025، أعلن وزير المالية، محمد أبازيد، عن زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400%.
كان هذا القرار خطوة هامة على طريق تحسين الوضع المعيشي للموظفين، في وقت كانت الأزمة الاقتصادية تزداد تعقيداً، ولكن ذلك لم يكن كافياً لمواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في الرواتب والتي لم تصرف بعد، فإن الحياة لا تزال صعبة للغاية. يستعرض معن الأحمد الواقع المعيشي الذي يواجهه، إذ أن راتبه الشهري البالغ 400 ألف ليرة سورية لا يكفيه لتغطية احتياجاته الأساسية لأكثر من يومين إلى ثلاثة أيام.
يقول الأحمد لـ”963+”: “شراء 4 ليترات من الزيت بسعر 75 ألف ليرة، و2 كيلوغرام من الرز بـ18 ألف ليرة، وكيلوغرام من السكر بـ7500 ليرة، يستهلك جزءاً كبيراً من الدخل الشهري، ناهيك عن تكاليف العلاج والأدوية التي تتجاوز هذا الراتب حتى دون احتساب أجرة معاينة الطبيب”.
ويأمل الأحمد أن تحسن الحكومة من الرواتب بشكل أكبر لتصل إلى مليون ونصف أو مليوني ليرة، لكي يتمكن من تحسين وضعه المعيشي.
محمد الحسن، موظف آخر في أحد المؤسسات الحكومية في حمص، يواجه نفس الصعوبات. يشير الحسن في حديث لـ”963+” إلى أن راتبه الشهري البالغ 370 ألف ليرة سورية لا يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية.
ويقول: “أدفع 100 ألف ليرة شهرياً على المواصلات للوصول إلى العمل، ولا يتبقى لي سوى 270 ألف ليرة. نحن أربعة أشخاص في المنزل، وأحتاج لمبلغ 100 ألف ليرة فقط لتأمين الخبز شهرياً، ولم أشترِ بعد السكر أو الزيت أو الشاي، ولا حتى الأدوية”.
آثار التضخم على الحياة اليومية
الحديث عن الأسعار المبالغ فيها، أصبح جزءاً من واقع الحياة في سوريا. وبالنسبة للموظفين، أصبح تأمين اللحوم والمواد الأساسية أمراً بعيد المنال. يشير الحسن إلى أن اللحمة هي من “الرفاهيات” التي لا يمكن الحصول عليها سوى في المناسبات النادرة، وأنه قد لا يتناولها إلا مرة واحدة كل أربعة أو خمسة أشهر.
بينما الأسعار غير ثابتة، فأسعار الإيجارات التي تشهد هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً، حيث يصل إيجار بعض المنازل في حمص إلى 800 ألف ليرة شهرياً، مما يجعل من الصعب على العائلات الوفاء بالتزاماتها.
وفي إطار هذه الأزمة الاقتصادية، تحدث المحامي أنس الجندي، عن تداعيات الوضع الاقتصادي في مدينة حمص. وقال الجندي لـ”963+”: “مدينة حمص شهدت تدهوراً اقتصادياً كبيراً منذ بداية الأزمة، حيث تضررت الأسواق الأثرية، مثل السوق المسقوف والأسواق المحيطة به، مما أدى إلى إغلاق العديد من المحال، بما في ذلك سوق المهن اليدوية كالنحاسين والخياطين. وقد أثر هذا التراجع بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للمدينة”. وأكد أن الرواتب لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية في ظل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
مستقبل الموظفين الحكوميين في ظل الأزمة
أشار الجندي إلى أن الزيادة الأخيرة التي يتم الحديث عنها في الرواتب، وعلى الرغم من أهميتها، إلا أن تأثيرها سيظل محدوداً بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار. وأضاف: “الزيادات المتكررة في الرواتب لم تحقق أي تحسن في مستوى المعيشة، لأنها تقابلها مباشرة زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يجعل الموظف لا يشعر بأي تحسن”. واقترح كحل لتخفيف الأعباء الاقتصادية، أن يتم توظيف المواطنين من نفس المنطقة لتقليل تكاليف التنقل.
يتفق الجميع على أن الحلول الاقتصادية المعلنة حتى الآن ليست كافية لضمان حياة كريمة للموظفين الحكوميين. وإلى أن تتغير هذه المعطيات، يظل الموظف السوري، يعيش تحديات اقتصادية مريرة، في انتظار خطوات إصلاحية حقيقية تكون قادرة على تحسين حياته اليومية ومساعدته على مواجهة موجات التضخم وارتفاع الأسعار.