في مشهد غامض حمل الكثير من التساؤلات والتحديات السياسية، اجتمع قادة الفصائل العسكرية في دمشق مساء الأربعاء مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ليتم تنصيبه رئيساً انتقالياً للبلاد. جاءت هذه الخطوة مترافقة مع قرارات سيادية شملت تعليق العمل بالدستور وحل مجلس الشعب، ما يثير تساؤلات حول مدى شرعيتها وتأثيرها على مستقبل سوريا.
خطاب النصر وإعلان المرحلة الانتقالية
ألقى أحمد الشرع “خطاب النصر” خلال مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية، بحضور موسع من قادة الفصائل العسكرية وقوى الثورة السورية. ورغم غياب التغطية الإعلامية الرسمية، إلا أن الحدث نُقل عبر قنوات تليغرام التابعة لإدارة العمليات العسكرية. وتضمن المؤتمر كلمات للشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، بالإضافة إلى إعلان القرارات على لسان العقيد حسن عبدالغني، المتحدث باسم إدارة العمليات.
وأكد الشرع في خطابه: “نحن اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، يتطلب منّا عملاً جاداً وشاملاً لإعادة بناء الوطن. المرحلة القادمة لن تكون سهلة، لكنها فرصة لتحقيق ما ناضلنا لأجله لسنوات طويلة”.
ووفقاً لما جاء في خطاب الشرع، فإن المرحلة القادمة ستركز على: “ملء فراغ السلطة والحفاظ على السلم الأهلي. بناء مؤسسات الدولة وإرساء بنية اقتصادية تنموية. استعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية”.
وأضاف الشرع: “سوريا بحاجة إلى قيادة قوية وواعية للتحديات. لا مجال للتهاون في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة على أسس راسخة”.
قرارات محورية وصلاحيات واسعة
أعلن العقيد حسن عبدالغني أن الشرع سيتولى مهام رئاسة الجمهورية، ويمثل البلاد في المحافل الدولية. كما تم تفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم.
وقال عبدالغني في تصريحه: “هذه الخطوات ليست مجرد تدابير انتقالية، بل هي الأساس الذي سنبني عليه مستقبل سوريا الجديدة. نؤكد التزامنا بتحقيق العدالة وضمان تمثيل جميع فئات الشعب السوري في عملية صنع القرار”.
ومن الناحية القانونية، يوضح المحامي الحقوقي والأكاديمي إبراهيم عبد الرحمن، أن تعطيل العمل بالدستور دون تبني مجلس حكم انتقالي وفق بيان جنيف يخلق فراغاً قانونياً خطيراً. ويؤكد لموقع “963+”: “لا يحق لأحمد الشرع قانونياً أن يصبح رئيساً للبلاد من قبل بعض القادة العسكريين، فهو رئيس بحكم الأمر الواقع وليس بحكم القانون والدستور”.
وأضاف عبد الرحمن: “إذا كنا نتحدث عن شرعية حقيقية، فلا يمكن تحقيقها دون وجود مسار دستوري واضح يضمن مشاركة كافة الأطراف الفاعلة. تجاوز الدستور بهذه الطريقة قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات وعدم الاستقرار”.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي كان يسعى إلى إعادة سوريا للحاضنة العربية والدولية، مما يجعل فرض قرارات فردية غير مقبولة دولياً. ويدعو إلى مؤتمر وطني شامل لتشكيل مجلس حكم انتقالي، معتبراً أن دستور 1950 يمكن أن يكون خطوة تمهيدية لإجراء انتخابات حرة.
هل تم تهميش إرادة الشعب؟
يشير المشهد السياسي إلى أن تعيين الشرع تم ضمن دائرة عسكرية ضيقة، متجاوزاً مفاهيم الديمقراطية التي نادت بها الثورة السورية منذ عام 2011. ووفقاً لمحللين، فإن هذه الخطوة تشكل انحرافاً عن مسار الانتقال السياسي التعددي، حيث غابت عن عملية التنصيب أي مشاورات واسعة مع القوى السياسية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، صرح المحلل السياسي فادي المنصور قائلاً: “أي عملية انتقال سياسي تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً، وليس مجرد قرارات تصدر عن مجموعة عسكرية. إذا استمر هذا النهج، فقد نشهد موجة جديدة من الاحتجاجات والاضطرابات”.
وأضاف المنصور لـ”963+”: “المجتمع الدولي أيضاً لن ينظر إلى هذا التطور بإيجابية. هناك التزامات دولية يجب مراعاتها، وأي تجاوز لهذه الالتزامات قد يؤدي إلى مزيد من العزلة السياسية لسوريا”.
تحديات واستحقاقات
لا تزال سوريا تواجه حالة من الغموض في ظل تباين القوى السياسية والاجتماعية، ومع استمرار عدم وضوح المرحلة الانتقالية، تزداد المخاوف من إعادة إنتاج نموذج حكم مركزي يهمّش التعددية. ويبدو أن القوى الوطنية مطالبة بالسعي نحو توافق سياسي واسع النطاق، بدلاً من قبول أي أمر واقع قد يكرّس سلطة أحادية.
وفي هذا الإطار، شدد الدبلوماسي السوري بشار علي الحاج علي على ضرورة وضع خارطة طريق واضحة، قائلاً لـ”963+”: “لا يمكن لأي مرحلة انتقالية أن تنجح دون تحديد سقف زمني واضح وإجراءات عملية لإشراك جميع مكونات الشعب السوري في القرار السياسي. التحدي الأكبر اليوم هو بناء نظام جديد يتجاوز أخطاء الماضي ويحقق العدالة للجميع”.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتمكن أحمد الشرع من قيادة سوريا نحو مستقبل مستقر وديمقراطي، أم أن قراراته ستؤدي إلى تعميق الانقسامات وتعطيل المسار السياسي المنشود؟