خبرت الساحة السورية تطورات مهمة ولافتة عقب سقوط نظام الأسد نهاية العام المنصرم، غير أن ترتيب البيت السوري الداخلي يتفاعل مع عوامل كثيرة، ومع اتساق الأطراف والمكونات نحو الحد الأدنى من المرتكزات التي تسمح بالانطلاق نحو المستقبل، وما يحتاج إليه من قرارات للوصول إلى نمط متماسك لبنية الدولة الحديثة.
يتطلب المؤتمر الوطني المزمع عقده لصياغة مستقبل البلاد مشاركة شخصيات تعبر عن مختلف الأطياف السورية، بغية الوصول إلى تشكيل جمعية تأسيسية تعد دستوراً جديداً، وتشرف على الحكومة الانتقالية.
إلى ذلك، أعلن أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، في 7 كانون الثاني/يناير الجاري، تأجيل المؤتمر لإتاحة الوقت لتشكيل لجنة تحضيرية موسعة تضم ممثلين من جميع الشرائح والمحافظات السورية، لضمان تمثيل شامل ونجاح المؤتمر، مشيراً إلى أن “هذا المؤتمر يُمثل حجر الزاوية في تأسيس الهوية السياسية لسوريا المستقبل عبر تجاوز تحديات المرحلة الإنتقالية”. ومتوقع تشكيل هيئة استشارية للرئيس المؤقت خلال المؤتمر، تضم مستشارين من كافة الأطياف السورية.
لا خطة واضحة
من جانبه، أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون الأربعاء 22 كانون الثاني/ يناير ضرورة الإعداد “الجيد” لمؤتمر الحوار الوطني السوري. وقال بيدرسون في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة دمشق أن الحوار الوطني بيد السوريين، مشيراً إلى أن لا خطة واضحة حتى الآن، لكن يتم الإعداد لها، وداعياً إلى ضرورة الإعداد “الجيد والمدروس” لهذا المؤتمر.
وأضاف بيدرسون: “هذه العملية يملكها ويقودها السوريون، ولا يوجد تعريف من الخارج لهذا الأمر ولا يوجد أمر كامل لكن جميع شرائح المجتمع والمناطق والنساء يجب أن تشارك في هذه العملية”.
وبحسبه، هناك أخبار جيدة في ما يتعلق بالإجماع لدعم سوريا الجديدة، مبيناً أن العملية السياسية الانتقالية واستعادة سيادة سوريا وسيادة أراضيها وتلبية الشرعية للشعب السوري هو جوهر القرار 2254.
يقول محمد الأسمر، من وزارة الإعلام في الإدارة السورية الجديدة، لـ “963+” إن الإجابة الرسمية عن الموقف من الحوار الوطني وعن موعده ومسار اختيار الشخصيات المشاركة وكيفية تحديدها وأهم النقاط التي سيتم إدراجها في المؤتمر وكانت الإجابة الرسمية بأنه “غير متاح أي معلومات عن الموضوع حالياً”.
ويقول محمد الفار، من مكتب الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الخارجية السورية، لـ”963+” إن هذا المؤتمر الوطني “شأن داخلي، والوزارة غير معنية بهذا الأمر لعدم الاختصاص”.
الحل الكردي أولاً
بدوره، يقول الكاتب والباحث السوري رضوان الأطرش إن مؤتمر الحوار الوطني “خطوة جديدة في تاريخ سوريا الحديثة، تحتاج إلى ترتيب من كافة النواحي الزمانية والمكانية وحتى الحضور”.
ويضيف الأطرش لـ “963+” قائلاً: “لا أتوقع انعقاد المؤتمر قبل إيجاد حل نهائي لموضوع الملف الكردي، ونتمنى حل هذا الملف في أقرب وقت ممكن، فمن غير المقبول عقد مؤتمر وطني وطرف مهم جداً ومنطقة جغرافية مهمة جداً خارج هذا المؤتمر، فنحن نحتاج لحضور كافة السوريين لهذا المؤتمر بما فيهم الطائفة العلوية والدرزية وحصول توافقات وطنية كبيرة من أجل عقد هذا المؤتمر”.
ويتابع الأطرش، المقرب من الإدارة الجديدة في سوريا: “من أهم العوامل التي تساعد على نجاح الحوار الوطني هو حضور جميع السوريين وجميع المكونات وجميع الفصائل وجميع الأطراف لتشكيل لوحة سورية وطنية جديدة، وأهم مرتكز في تقديري لنجاح هذا المؤتمر هو توافق جميع السوريين على هذه المخرجات الناتجة عن هذا المؤتمر وإشراك الجميع بهذا المؤتمر من خلال عرض مخرجاته الأولية والنهائية على الشعب ليكون على إطلاع مباشر بهذه المخرجات”.
وبحسب الأطرش، أهم العوامل التي تساعد على نجاح هذا المؤتمر هو القبول الدولي والعربي وحضور بيدرسون وممثلي الجامعة العربية وسفراء الدول التي زارت دمشق وفتحت سفاراتها في دمشق. وبالنسبة إلى تحديد الشخصيات التي ستشارك بالمؤتمر، يلفت المصدر نفسه وجود لجنة تحضيرية تقوم بهذه المهمة والتواصل مع جميع الشخصيات الوازنة والمؤثرة بالمجتمع التي لها قبول مجتمعي في الأوساط السورية.
ويحدد الأطرش قائمتين من الشخصيات: قائمة على مستوى سوريا لها تأثير سياسية وتأثير مجتمعي، وأخرى تتعلق بالمحافظات حيث لكل محافظة نسبة معينة من حضور هذا المؤتمر، “ونتحفظ عن ذكر الأسماء بالوقت الحالي لأسباب تتعلق بقبول المدعوين حضور المؤتمر”.
كيانات متشظية
ويفسر الأطرش توجيه الدعوة لشخصيات لا لكيانات، فيقول: “نعيش حالة من التشظي على مستوى الكيانات السياسية. هناك الآلاف من الكيانات السياسية في الداخل والخارج، ومستحيل إرضاء هذه الكيانات، لذلك كانت الدعوة لحضور شخصيات لها تأثير وقبول مجتمعي في هذا الوقت. أما بالنسبة إلى تحقيق آمال جميع المكونات السورية، فهذا الموضوع يتعلق برغبة وفعالية وجدية الأطراف المشاركة في هذا المؤتمر، مع العلم أننا متفقون على أن سوريا أولاً والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وهذا يعني أن هناك رغبة حقيقية في إنجار مؤتمر حوار وطني سوري حقيقي تنتج عنه أفكار وطنية تكون في خدمة الشعب السوري بحسب المصدر ذاته”.
يؤكد الأطرش حضور جهات دولية وعربية ومحلية في هذا المؤتمر لتتابع مخرجاته مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والإتحاد الأوروبي والجامعة العربية، إضافة إلى وجود لجان تنبثق عن هذا المؤتمر، كما يتوقع وهذه اللجان سوف تتابع جميع أعمال المؤتمر بحيث تنجز جميع مهامها في أقرب وقت، “وتعرض هذه المنجزات على الشعب السوري الذي ضحى من أجل الحرية والكرامة، ويحق له أن يكون مشاركاً في هذا المؤتمر على الأقل من ناحية متابعة نتائج هذا المؤتمر”.
المطلوب لجنة تحضيرية
يقول بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، لـ “963+”: “لا علم لنا بموعد مؤتمر الحوار الوطني، والإدارة الجديدة في دمشق لم تحدد إلى الآن أي موعد رسمي”، لافتاً إلى عدم تلقي أي دعوات لحضور المؤتمر، ومنتقداً توجه الإدارة الجديدة للدعوة الشخصية وليس للمكونات وارتأى أن ذلك يضعف شرعية المؤتمر كون المكونات تحظى بتمثيل أكبر من الأفراد.
ويتابع: “برأينا، يجب أن يكون هناك لجنة تحضيرية للمؤتمر وتتسم بكونها واضحة وموثوقة ومعلنة حيث كررنا غير مرة أن المؤتمر يحتاج إلى ترتيب جيد وتمثيل جيد، لأنه سيكون مؤتمراً وطنياً يستهدف في الإساس وضع القواعد المركزية لبناء سوريا الجديدة”.
وعن كيفية اختيار اعضاء المؤتمر، يقول جاموس: “يجب عقد مؤتمر حوار لكل محافظة على حدة، وكل محافظة ترشح ممثلين للمؤتمر الوطني حتى نستطيع الوصول لوضع يعكس تمثيل حقيقي لكافة مكونات الشعب السوري”، مشدداً على أن يمكن المؤتمر تحقيق آمال كل المكونات في المجتمع السوري إذا كان التحضير وإجراءات الانعقاد بشكل صحيح ودقيق، وموضحاً أن وجود مراقبين دوليين وعرب ومن الجامعة العربية سيعطي ثقة أكبر بالمؤتمر ومخرجاته.
ويختتم جاموس قائلاً: “إننا على تواصل مع الإدارة الجديدة في دمشق لمناقشة هذه النقاط وطرح المقترحات، ونحن دوماً على استعداد للانخراط في التعاون البناء بغية تحقيق مصالح وطموحات الشعب السوري”.
ويحدد الكاتب مؤيد غزلان قبلاوي الموعد المرجح للمؤتمر الوطني خلال أواخر شباط/فبراير وبداية آذار/مارس. ويرى أن العوامل التي تساعد على تنفيذه ونجاحه “ينبغي أن تكون معايير توافقية لاختيار الاعضاء المشاركين، مع توسيع دائرة التمثيل السياسي والمجتمعي والمناطقي. والمعيار الأساسي لتقدير المؤتمر هو أنه محور وطني للقاء معظم المكونات الوطنية والسياسية والمجتمعية وهذا بحد ذاته يعتبر الانجاز الأهم، إذ يتبلور بالطبع عن ذلك رؤى سياسية متعددة”.
ساحة توافقية ومشتركة
يفترض بهذه الرؤى، بحسب قبلاوي، أن تجد ساحة توافقية ومشتركة بين الرؤى المختلفة، ليس الهدف التطابق الكامل، إنما صياغة رؤية وطنية تفيد في استقرار المرحلة. ويلفت إلى أن الأطراف المشاركة ستعبر عن ممثلي المناطق السورية، وممثلي المكونات الدينية والقومية والعرقية والاثنية، ومنظمات المجتمع المدني، والحراك السوري الخارجي، وأفراد المعارضة السورية وغيرهم، “ومهما تعددت المعايير، لن تغطي كل التنوع أو التعدد السياسي والاجتماعي في سوريا، فهذه أول مناسبة وطنية لتنفيذ مثل هذه المعايير، وطبيعي ألا تصل إلى الكمال فلا يرضى الجميع”.
يضيف قبلاوي: “معظم المكونات السياسية والأحزاب مشكل في الخارج، ولا تمثل الأطياف الداخلية السورية، ما يضفي خللاً في التوازن بين الأفراد المدعوين داخلياً، وبين المكونات السياسية والتيارات الخارجية”.
ويختم قبلاوي حديثه لـ “963+” بالقول: “الديموقراطية لا تحقق آمال الجميع، بل تمثل رأي الأغلبية في الحد الأدنى”.