خمسون يوماً على سقوط النظام السوري المخلوع، وتسلم الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع المرحلة الانتقالية في البلاد لتشهد الفترة السابقة أحداثاً وتطورات على مختلف الأصعدة داخلياً وخارجياً منها ما هو أمني وسياسي واقتصادي إلى جانب حراك مكثف إقليمي ودولي في محاولة لرسم مستقبل بلد أُنهك جراء حرب امتدت لأكثر من 14عاماً.
وعلق الاتحاد الأوروبي الإثنين الماضي، العقوبات الاقتصادية المفروضة على حركة الطيران والشحن والبنية التحتية المصرفية وقطاع الطاقة في سوريا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن تعليق الاتحاد الأوروبي للعقوبات الاقتصادية ليس “شيكاً على بياض” يقدم للإدارة السورية الجديدة.
وفي حوار خاص لموقع “963+”، تحدث الباحث في العلاقات الدولية من باريس طارق زياد وهبي، عن الأوضاع في سوريا خلال الوقت الحالي واصفاً إياها “بغير المريحة”، كما أكد على وجود مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية ونقطة غير واضحة تتمثل بما تقوم به إسرائيل على الحدود الغربية الجنوبية من سوريا ولما قد يحصل لاحقاً.
وفيما يلي الحوار كاملاً:
كيف تنظر إلى الوضع الحالي في سوريا بعد سقوط النظام المخلوع؟
مع كل السلبيات التي تحصل من بعض الفصائل التي تريد الانتقام بعيداً عن القانون، يعتبر الوضع الحالي في سوريا مستقراً بمعنى أن حالة التَرَقُّبْ عالية لدى الناس واندفاع الفريق الحاكم محدود لأنه مرتبط بعدة عوامل أهمها الأمن والاقتصاد.
كما أعتقد أن الأوضاع في سوريا حالياً ليست مريحة كون العوامل المحيطة والدولية غير واضحة. لكن الأهم هو أن تصريحات وتحركات الإدارة الجديدة تطمئن قليلاً للمستقبل القريب على أقل تقدير.
ماهي أهم التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة؟
أولى التحديات هو الأمن المرتبط بمن يقوم بضبطه وهنا أقصد الجيش والقوى الأمنية المساندة كالشرطة وغيرها، ما رأيناه أنه تم عملياً حل الجيش وتقوم القيادة الحالية بالاتجاه نحو التطويع بمعنى الاحتراف بالمهنة وليس الاحتياط. لكن ذلك يتطلب أيضاً أن يكون هناك جهاز استخبارات لحماية البلاد وليس لقهر السوريين، التحدي الثاني هو الاقتصاد من خلال إعادة الدورة الاقتصادية عبر إنعاشه بقوانين تسمح للمبادرة الفردية وتحديث قوانين الضرائب لاستعمال هذه الأموال في مضمار تنمية البنية التحتية لتحديث المنظومة الاقتصادية، ويجب أن لا ننسى أن الثروات الطبيعية وإدارتها هي من أهم التحديات كمصدر هام من مداخيل الدولة.
وثالثاً يجب إنشاء ورشة عمل فيما يتعلق بالقوانين التي أصبحت قديمة وغير صالحة بالوقت الحالي، ويجب أن تعطي قوانين الانتخابات التشريعية والبلدية وغيرها السوريين كامل الحقوق وعلى الدولة أن تؤمن الأرضية الموحدة في هذا الصدد.
بعد تعليق بعض العقوبات الأوروبية لمدة عام، كيف ترى العلاقات العربية والغربية مع الإدارة السورية الجديدة؟
لقد أثبت شخص أحمد الشرع عبر عدة مقابلات أو فيديوهات أنه شخص ملم بمفهوم التواصل المقنع مع الناس. لذلك أضفى نوع من الطمأنينة لجميع زواره كما أن شخص وزير الخارجية السوري في خروجه الأخير بمنتدى دافوس الاقتصادي أظهر أنه يعلم جيداً ما يقول. لذلك حتى اللحظة نستطيع أن نقول أن الوجه الإعلامي للفريق الحاكم يظهر استلطافاً لدى كل من الدول العربية والغربية. هناك نقطة غير واضحة هي ما تقوم به إسرائيل على الحدود الغربية الجنوبية وعدم الوضوح الكافي لما قد يحصل لاحقاً.
هل استمرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية في سوريا التي مازالت “هشة” و”غير جيدة” ستؤثر بشكل كبير على عمل الحكومة الحالية والتقارب الإقليمي والدولي نحوها؟
الوضع ليس بهش لأن الادارة الحالية ورثت ذلك من النظام السابق ولكنها لا تستطيع ان تتسرع بالإنجاز لأن ذلك ليس من مصلحة أحد طالما لا يوجد خطة عمل واضحة. علينا ان نُقر أيضاً أن الإمكانيات الحالية ليست على مستوى التوقعات لذا فالمطلوب من العالم الخارجي المساعدة في رفع العقوبات الدولية والعمل على عودة كل ثروات سوريا إلى خزائن الدولة وليس إلى أي من الفصائل. مشروع إعادة الإعمار هو بحد ذاته من يجذب كل الدول التي تريد ان تربح في إعادة الإعمار، لطالما فريق الحكم الحالي في سوريا ملتزم ببعض الضوابط (الأمن والالتزام بمطالب يعتبرها الغرب أساس الديمقراطية ولو أنها تبتعد عن المواطنة كحقوق الأقليات).
هل تنظيم “داعش” ما يزال يشكل خطراً في سوريا بعد سقوط بشار الأسد؟
“داعش” هو حقبة زمنية انتهت ولكنها قد تتشكل في خضم الأحداث والتصارع بين مكونات الحركات التي تعتمد الإسلام منهجاً وتريد ان تبني به نظاماً لها. سوريا مرت بهذه التجربة المريرة ولا أحد كسب منها بل خسر الجميع لذلك لا يمكن ان يعود “داعش” بل قد يكون لديها أخوات وهو أخطر برأيي: الأفراد والجماعات غير السورية التي شاركت بإزاحة النظام والتي قد يكون لديها طموحاً.
كيف تنظر إلى مستقبل سوريا؟
سوريا غداً هي جيل شاب لا يعرف إلا الحرية المسؤولة وعلاقات مع الجوار متوازنة مع حجم سوريا العربي لأنه مهم ليس فقط على الصعيد البشري ولكن أيضاً على الصعيد الاقتصادي والثقافي. هناك عامل مهم ايضاً للغد هو شخصيات الحاكم الذي سينتخب ولن يبقى بالحكم إلا ما قد يسمح به الدستور دون ان يكون ذلك أزلياً.
باعتقادي سوريا تضم وفرة من اليد العاملة الرخيصة نسبياً والمتخصصة وحتى الحرفية. سوريا لديها مستقبل باهر ولكن الصعوبات كثيرة.