أعلنت مسؤولة السياسية الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس يوم الإثنين الماضي، أن وزراء خارجية دول التكتل، اتفقوا خلال اجتماع بروكسل على تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، بما في ذلك القيود المفروضة على حركة الطيران والشحن والبنية التحتية المصرفية وقطاع الطاقة، فكيف سينعكس هذا القرار على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية في سوريا بعد سنوات من الحرب؟
تعاني سوريا أزمة اقتصادية ومعيشية متفاقمة منذ أكثر من عقد جراء الحرب المدمرة، في ظل دمار البنية التحتية الأساسية وانهيار قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، وما تبع ذلك من تدني مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين جراء غلاء الأسعار، وانتشار البطالة وتراجع الناتج المحلي بشكل كبير.
لكن التعليق الأوروبي لبعض العقوبات هو مؤقت ولمدة عام ورفعها بشكل كامل مرتبط بخطوات وسياسات الإدارة السورية الجديدة، وفق ما صرّحت كالاس التي قالت في منشور على منصة “إكس”، إن “أوروبا قادرة على إعادة العقوبات على سوريا في حال اتخذت الإدارة السورية قرارات خاطئة”.
اقرأ أيضاً: شروط معلنة ودوافع خفيّة.. عن ماذا تبحث أوروبا في سوريا؟
ورغم تأكيد وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في تصريحات صحفية، أنه من الضروري تحسين وضع الكهرباء في سوريا لإعادة تشغيل الاقتصاد، وأن رفع العقوبات جاء من أجل مساعدة الإدارة السورية الجديدة في إعادة اقتصاد البلاد إلى مساره الصحيح، إلا أنها قالت إن رفعها لا يعني “شيكاً على بياض يقدم للإدارة السورية بقيادة أحمد الشرع، التي عليها إشراك جميع المكونات في العملية الانتقالية، والتي من المفترض أن تؤدي إلى دستور جديد وإجراء انتخابات”.
هل تعود الاستثمارات إلى سوريا؟
وعلى الرغم من تخفيف العقوبات الأوروبية، فإن تعافي الاقتصاد السوري يحتاج لإعادة بناء البنية التحتية والتي بدونها لا يمكن لقطاعات الاقتصاد المختلفة من صناعة ومعامل وزراعة وتجارة وغيرها، الحصول على بيئة عمل مناسبة، وفق ما يرى الاقتصادي السوري والعضو السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي العربي عزت الشيخ سعيد، المقيم في ألمانيا.
يؤكد الشيخ سعيد في تصريحات لموقع “963+”، أن “الاستثمار وخاصة الخارجي منه لا يغامر بعمليات استثمار دون وجود بيئة مناسبة، وذلك يحتاج إلى وجود دولة وأمن وسلطة تشريعية تسن قوانين الاستثمار وسلطة تنفيذية تكون قادرة على توفير الحماية والأمن، وسلطة قضائية يلجأ إليها في حال تعرض حقوقه للهدر أو الاعتداء، وذلك غير متوفر الآن، لأن القيادة الحالية تمتلك شرعية ثورية ولا تمتلك شرعية قانونية”.
ويؤيد نبيل التميمي، الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي المقيم في العاصمة العراقية بغداد، هذا الرأي، ويقول لـ”963+”، إنه “رغم رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، إلا أن دخول الاستثمارات الأجنبية مرتبط بالوضع الأمني والاستقرار السياسي والبيئة القانونية والاستثمارية الملائمة والمناخ الاستثماري داخل سوريا”.
اقرأ أيضاً: ماذا تخسر وتكسب تركيا من توحيد الفصائل السورية تحت مظلة جيش واحد؟
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شهد سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية تحسناً وبلغ نحو 12 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، بعد أن كان يساوي أكثر من 15 ألفاً، خاصةً بعد إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مطلع الشهر الجاري، إصدار إعفاءات جديدة من العقوبات على سوريا.
انعكاسات إيجابية لتخفيف العقوبات الأوروبية على سوريا
الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي، المقيم في العاصمة المصرية القاهرة، يقول إن “رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا سيكون له مفعول السحر في تخفيف الآثار السلبية وحدة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الشعب السوري، حيث أنه سيفتح قنوات اتصال متعددة وآفاق جديدة أمام التعامل مع الخارج بشكل يحقق مرونة كاملة للسوريين”.
ويضيف في تصريحات لموقع “963+”، أن “رفع العقوبات سيساعد في المزيد من السيطرة على أسعار السلع والمنتجات، إلى جانب استقطاب وتفعيل استثمارات قائمة، والعمل على إعادة توطين السوريين مرة أخرى في مناطقهم، لاسيما أن لديهم القدرة والرغبة والإمكانيات للبدء بإعادة بناء وطنهم مرة أخرى”، معتبراً أن “قرار الرفع سينعكس إيجابياً على سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام”.
وفي أعقاب إصدار الاتحاد الأوروبي القرار، أعربت وزارة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية عن ترحيبها بالخطوة، وقالت في بيان إن “تعليق الاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة على القطاعات الرئيسية في سوريا، خطوة إيجابية مرحب بها، وتمهد الطريق للتعافي الاقتصادي وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية وتعزيز الاستقرار طويل الأمد”.
وأضاف البيان، أن الشعب السوري يستحق فرصة حقيقية لتحديد مستقبله بنفسه، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف بشكل كامل دون رفع جميع العقوبات المتبقية، والتي وضعت بالأصل كإجراء حماية للشعب السوري من وحشية نظام بشار الأسد، وأنها أصبحت مع مرور الوقت تأتي بنتائج عكسية تضر بالشعب”، مؤكدةً على “التزام سوريا بمواصلة العمل مع الشركاء لضمان رفع كل العقوبات، ما يمكّن الشعب السوري من الازدهار واستعادة مكانته المستحقة في منطقة يسودها السلام”.
اقرأ أيضاً: عودة اللاجئين السوريين.. هل رفع العقوبات هو الحل الوحيد للعودة؟
تخفيف التضخم وتوفر المواد الأساسية
يؤكد السياسي السوري درويش خليفة، أن رفع العقوبات الأوروبية على سوريا، سيكون له انعكاسات إيجابية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا وفقاً لعدة عوامل منها تدفق السلع الأساسية والتكنولوجيا والمعدات اللازمة للقطاعات الأساسية مما يساهم في التخفيف من أزمة نقص الموارد”.
ويشير في تصريحات لـ”963+”، إلى أن “رفع العقوبات يساهم في تخفيف التضخم، حيث أنه بمجرد توفر المواد الأساسية في الأسواق سيقود ذلك إلى خفض تكاليف الإنتاج مما ينعكس على انخفاض الأسعار، خاصةً في حال قيام الحكومة برفع الرواتب، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة، لكن ذلك يتطلب تحقيق الأمن والاستقرار داخل البلاد”.
ويرى الشافعي، أن “الدول الغربية متفقة تماماً على رفع العقوبات عن سوريا، وسيتم رفعها جزئياً من بلد إلى آخر مستقبلاً، لأنها تريد تدعيم النظام السوري الجديد والعملية السياسية السلمية لنقل السلطة”، مشيراً إلى أن “الغرب كان لا يرغب بوجود بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، ولذلك فرض هذه العقوبات على خلفية التجاوزات التي يقوم بها نظامه”.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على أنه “في حال استمرار الغرب بفرض العقوبات على سوريا، فإن ذلك سينعكس على الواقع الاقتصادي والمعيشي والخدمي للمواطن السوري، على الرغم من الدعم المقدم من بعض الدول العربية كالسعودية وقطر، ودعم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في سوريا”.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، انكمش اقتصاد سوريا بنسبة 85% خلال ما يقرب من 14 عاما من الحرب، والناتج المحلي الإجمالي من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 8.98 مليار فقط في عام2023.