بكلمات تعكس معاناة يومية، علّقت السيدة ريم على أحد المنشورات في مجموعة “فيسبوك” مخصصة لخدمات ريف دمشق، تردّ على استفسار متكرر: “مطلوب بيت للإيجار”. ريم، كغيرها من مئات العائلات، تصادف يومياً عشرات المنشورات المشابهة، كما أن السؤال ذاته يتكرر في معظم الجلسات العائلية والاجتماعية التي تحضرها.
توضح ريم لموقع “963+” أن زوجها بدأ البحث عن منزل للإيجار منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، بعد عودتهم من لبنان إلى مدينتهم عربين بريف دمشق، إلا أن محاولاته المستمرة لم تكلل بالنجاح حتى الآن. ونتيجة لذلك، اضطرت العائلة للتنقل بين منزل أهلها وأهل زوجها على أمل العثور على منزل مستقل، ولكن دون جدوى.
أزمة سكن مستمرة
تعاني محافظة دمشق وريفها من أزمة سكن خانقة، تعود جذورها إلى سنوات الحرب التي أجبرت آلاف السوريين على اللجوء إلى الخارج أو النزوح الداخلي. ومع تدفق العائدين من لبنان والدول المجاورة، بعد سقوط النظام السوري السابق، ازداد الطلب على المنازل، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وتراجع في عدد المنازل المعروضة للإيجار.
ماجد كامل، وهو صاحب مكتب عقارات في حي المزة بدمشق، يرى أن “أصل الأزمة يكمن في الدمار الكبير الذي لحق بمعظم مدن وبلدات ريف دمشق، ما دفع الكثيرين للبحث عن سكن داخل العاصمة، الأمر الذي أدى إلى تضخم أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق”.
ويشير كامل في حديث لـ”963+” إلى أن “الأسعار ارتفعت بنسبة تجاوزت 100% في بعض المناطق، بسبب قلة المعروض وزيادة الطلب”.
ويضيف صاحب المكتب العقاري، أن “عدد المنازل المعروضة للإيجار شهد تراجعاً كبيراً مقارنة بالمنازل المعروضة للبيع، إذ يفضل أصحاب العقارات بيع منازلهم بدلاً من تأجيرها، خاصةً مع ارتفاع تكاليف البناء وأسعار العقارات”.
ويؤكد أن “بعض المالكين يجدون أن رفع الإيجارات لن يحقق لهم عائداً مجزياً مقارنة ببيع العقار، ما يجعل العرض محدوداً جداً في السوق”.
إيجارات مرتفعة وشروط تعجيزية
من جهته، يروي جلال محمد، أحد سكان مدينة داريا في ريف دمشق، تجربته في البحث عن منزل للإيجار، قائلاً إن “معظم المنازل المتاحة تُعرض بأسعار مرتفعة جداً، كما يشترط أصحابها أن لا تتجاوز مدة العقد 6 أشهر”.
ويشير جلال لـ”963+” إلى أنه “اضطر لاستئجار منزل غير مكتمل الإكساء، يفتقر إلى الأبواب والنوافذ وحتى التمديدات الكهربائية، مقابل 700 ألف ليرة شهرياً، فقط لأنه قريب من الشارع العام، وهو ما يعتبره ميزة نادرة”.
أما في منطقة كفرسوسة، فتصل أسعار الإيجارات إلى أرقام خيالية، حيث يطلب بعض المالكين “دفع مبالغ سنوية لا تقل عن 60 مليون ليرة سورية”. بشار سيف، أحد سكان المنطقة، يؤكد أن “هذه العروض رغم ارتفاعها تجد العديد من المستأجرين، خاصةً العائدين من الخارج، الذين اعتادوا دفع إيجارات مرتفعة في بلاد الاغتراب”.
ويشير سيف لـ”963+” إلى أن “هذا الواقع يشكل أزمة كبيرة للسكان المحليين، الذين يعانون أصلاً من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية”.
اقرأ أيضاً: عودة اللاجئين السوريين.. هل رفع العقوبات هو الحل الوحيد للعودة؟ – 963+
حلول غائبة ومستقبل غامض
وكان قد أطلق المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، دعوة حاسمة لرفع العقوبات عن سوريا كشرط أساسي لتمكين عودة اللاجئين السوريين والاستقرار.
وقالت الباحثة في العلاقات الدولية لانا بدفان، أمس لـ”963+”: “العقوبات الأوروبية والأميركية أدت إلى شلل كبير في قطاعات الإسكان والخدمات العامة، ما جعل الحصول على الاحتياجات الأساسية مستحيلًا بالنسبة للعديد من السوريين”.
وتابعت الباحثة: “غراندي أشار إلى أهمية رفع العقوبات لتحفيز الاستثمارات، وأضيف إلى ذلك أن عودة اللاجئين تتطلب خطة متكاملة لإعادة بناء البنية التحتية، وهي خطة تحتاج إلى دور كبير للقطاع الخاص والاستثمارات الدولية”.
وفي ظل هذه الأزمة المتفاقمة، تبقى الحلول محدودة، حيث لا توجد سياسات واضحة لمعالجة ارتفاع الإيجارات أو توفير مساكن بأسعار معقولة. كما أن إعادة إعمار المناطق المتضررة تسير ببطء شديد، ما يزيد من الضغوط على سوق العقارات في العاصمة وريفها.
وبالنسبة للعائلات مثل عائلة ريم، يبقى البحث عن منزل مناسب حلماً مؤجلاً، في ظل واقع اقتصادي متردٍّ يجعل حتى أبسط الحقوق، كالحصول على مسكن، رفاهية صعبة المنال.