خاص ـ نادر دبو/ درعا
بعد سقوط نظام الأسد، واجهت محافظة درعا جنوبي سوريا، تحديات ضخمة أثقلت كاهل سكانها على الأصعدة الاجتماعية، الاقتصادية، والخدمية. ومع غياب المنظمات الإنسانية وضعف الإمكانيات الحكومية، ظهر فراغ كبير في تلبية احتياجات المجتمع. لكن، في خضم هذه الأزمات، انبثقت المبادرات الشبابية والجهود المجتمعية التي قادها شباب وشابات درعا، لتصبح نقطة انطلاق نحو إعادة الإعمار وتجاوز آثار الحرب.
ومن بين المبادرات التي برزت في مدينة نوى، مبادرة “بكرا أحلى”، والتي جمعت بين الرجال والنساء في جهود تطوعية متكاملة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
مروى المصري، عضو مكتب شؤون المرأة في المدينة، تحدثت عن أهمية هذه المبادرة التي تسعى لتوحيد المجتمع من خلال العمل التطوعي المشترك.
وأوضحت المصري لموقع “963+”: “في إطار مبادرة ‘بكرا أحلى’، لا توجد أنشطة مخصصة للنساء فقط، بل العمل مشترك بين الجنسين. من خلال غرس الأشجار ورسم الجداريات، نحاول تعزيز التعاون والعمل الجماعي بين جميع أفراد المجتمع. نؤمن أن إشراك الجميع دون تفرقة يخلق بيئة من الانسجام والوعي بأهمية التطوع”.
وأضافت أن المكتب يعمل على نشر الوعي بأهمية العمل التطوعي باستخدام وسائل مختلفة، مثل الحوار المباشر، توزيع البروشورات، وتقديم كلمات تحفيزية خلال الأنشطة.
وأكدت على أن “العمل التطوعي يترك أثراً عميقاً في حياة المرأة، فهو يعزز من صحتها النفسية ويمنحها شعوراً بالإنجاز والمساهمة الحقيقية في بناء مجتمعها”.
تعزيز مكانة المرأة: رؤية شاملة وتحديات مجتمعية
رهام نعيم الناطور، مديرة مكتب شؤون المرأة، ركزت على التحديات التي تواجه المرأة في درعا، حيث أشارت إلى العقبات المرتبطة بالعادات والتقاليد التي تقيد مشاركتها في الحياة العامة.
وقالت الناطور لـ”963+”: “المرأة في مجتمعنا تواجه تحديات كبيرة، أبرزها العادات والتقاليد التي تقيد حركتها وتحد من مشاركتها. إضافة إلى ذلك، تعاني من عدم المساواة مقارنة بالرجل، مما يعيق تطورها ويؤثر على مكانتها في المجتمع”.
كما لفتت إلى مشكلات مثل قلة التحاق الفتيات بالمدارس وتعرضهن للعنف الأسري والجنسي، وأكدت أن المكتب يعمل على مواجهة هذه التحديات من خلال مشاريع تمكين المرأة.
وأضافت: “لدينا خطط لإطلاق مشاريع صغيرة مثل معامل الخياطة وصناعة المخللات، ودورات محو الأمية والتمريض. هذه المشاريع تهدف إلى منح المرأة فرصاً لتطوير مهاراتها والمساهمة في تحسين أوضاعها المعيشية”.
وأكدت أن المكتب يعتزم إقامة ندوات ودورات تعليمية وصحية لرفع الوعي المجتمعي بأهمية دور المرأة في إعادة بناء المجتمع.
جهود الشباب: المحرك الرئيسي للمبادرات
هديل عزوز، إحدى الناشطات في مبادرة “بكرا أحلى”، تحدثت عن أهمية تكاتف الجهود الشبابية لتحقيق الأهداف المرجوة من المبادرة. وقالت لـ”963+”: “إن تكاتف جهود الشباب في مدينة نوى يشكل خطوة مميزة نحو تحسين مظهر المدينة. المبادرة تعد بداية لمشوار الألف ميل نحو مشروع شامل لتنظيم المدينة وجعلها أكثر جمالاً وتألقاً”.
وأوضحت أن المبادرة تضمنت أنشطة متنوعة مثل زراعة الأشجار، رسم الجداريات، وكتابة العبارات التوعوية. وأشارت إلى أن “هذه الأنشطة تهدف إلى تعزيز الإحساس بالجمال والانتماء لدى السكان، إلى جانب تسليط الضوء على مظاهر العلم الجديد”.
وعن التحديات التي واجهت المبادرة، قالت عزوز: “من أكبر التحديات التي واجهناها كان شح الموارد والمستلزمات، بسبب ضعف دور البلدية الناجم عن الإهمال السابق. لكننا اعتمدنا بشكل كبير على جهودنا الذاتية ودعم المجتمع المحلي، الذي أبدى حماساً وتشجيعاً كبيرين”.
رؤية هندسية لإعادة البناء
المهندس محمد العمارين، مسؤول مبادرة “بكرا أحلى”، أكد أن المبادرة لا تقتصر على تحسين المظهر العام للمدينة، بل تشمل رؤية طويلة الأمد لتحقيق التنمية المستدامة.
وقال لـ”963+”: “نحن نعمل على تأسيس بنية تحتية مجتمعية متينة من خلال هذه المبادرة. الأنشطة التي قمنا بها حتى الآن هي جزء من رؤية أكبر تشمل تحسين الخدمات العامة، مثل الحدائق والمرافق الترفيهية، وتنظيم حركة السير داخل المدينة”.
وأشار إلى أهمية الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة مثل نظافة الشوارع وزراعة الأشجار، قائلاً: “كمهندس، أرى أن تطوير أي مدينة يبدأ بالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة. هذه التفاصيل تعطي انطباعاً إيجابياً عن المدينة، وتشجع السكان على المشاركة في تحسين مجتمعهم”.
وأضاف العمارين أن المبادرة حصلت على دعم من بعض المهنيين المحليين الذين تطوعوا بخبراتهم لتخطيط الأنشطة وتنفيذها. وختم قائلاً: “ما نحتاجه الآن هو المزيد من الدعم المادي واللوجستي لضمان استمرارية هذه المبادرة. رسالتنا هي أن العمل الجماعي قادر على تحقيق المعجزات، ونحن في نوى عازمون على بناء مستقبل أفضل لأبنائنا”.
وتبرز تصريحات مروى المصري، رهام الناطور، هديل عزوز، والمهندس محمد العمارين دور المبادرات المجتمعية في بناء درعا بعد سنوات الحرب. تجربة مدينة نوى تؤكد أن الإرادة الجماعية والعمل التطوعي قادران على تحقيق التغيير المستدام، مع دعوة مفتوحة لكل أفراد المجتمع للمشاركة في بناء مستقبل أفضل.