دمشق
شهد الإنتاج الدرامي السوري تحولات جوهرية منذ ازدهاره في تسعينيات القرن الماضي، حيث احتل آنذاك مرتبة متقدمة عربياً بإنتاج تجاوز الـ60 مسلسلاً سنوياً، ليواجه بعد عام 2011 تراجعاً كبيراً بفعل تداعيات الحرب. ومع انتهاء العمليات العسكرية في عام 2018، بدأت عجلة الإنتاج بالعودة تدريجياً وبصورة خجولة، وسط آمال بعودة الدراما السورية إلى أوج تألقها، خاصة بعد سقوط النظام السابق الذي كان سبباً في تقييد حرية الإبداع والانتشار.
ورغم توقف تصوير بعض الأعمال بعد سقوط النظام، سرعان ما استؤنفت عملية الإنتاج بمجرد زوال المخاوف من طريقة تعاطي الإدارة الجديدة مع صناعة الدراما.
وفي هذا السياق، صرّح الممثل علي القاسم، رئيس مكتب الدراما في نقابة الفنانين، لموقع “963+” قائلاً: “بالنسبة للأعمال الدرامية التي كانت قيد التصوير قبل سقوط النظام، فقد كانت تسير بشكل طبيعي. لم يطلب أحد من الشركات إيقاف التصوير، لكن الجو العام أدى لتحسبات وتوقف مؤقت. ومع ذلك، عادت الأعمال للتصوير بشكل طبيعي، مثل مسلسلات (حبق)، (بنات الباشا)، (ليالي روكسي)، و(العهد)”. وأضاف: “لا يوجد أي إشكال أمام متابعة التصوير حالياً”.
دراما مقيدة بجدار “الممنوعات”
خلال حكم النظام السابق، عانت الدراما السورية من تقييد الحريات، ما انعكس سلباً على مستواها الفني. يقول الممثل والسيناريست زيد الظريف: “في الفترة السابقة، كنا نحاول التعبير عن آرائنا عبر النصوص الدرامية، لكنها كانت محاولات خجولة تصطدم بجدار الممنوعات. أما الآن، ومع سقوط النظام، نأمل أن يكون سقف الحريات أوسع بما يسمح بمناقشة هموم المجتمع بشفافية ووضوح”.
وأكد الظريف لـ”963+” أن المؤشرات الحالية إيجابية: “الرقابة شبه معدومة، والناس تعبر عن آرائها بحرية. أتمنى أن يستمر ذلك لأنه صمام أمان لمجتمع ديموقراطي عصيّ على الاختراق”.
ولم تسلم الدراما السورية من منظومة الفساد، حيث كان العاملون فيها ضحية ابتزاز وتجاوزات عديدة. يقول الظريف: “كنا نعاني من سرقة أجورنا، ولم نكن بمأمن من منظومة الفساد التي طالت حتى القطاعات الخاصة. نتمنى أن يوفر العهد الجديد عدالة تضمن حقوقنا المادية والمعنوية، وتساعد في تقديم بيئة إنتاجية سليمة تدعم نجاح الأعمال الفنية”.
ويرى الناقد مرهف هرموش، أن المرحلة القادمة قد تشهد عودة للدراما العائلية التي تحمل قيماً اجتماعية، قائلاً لـ”963+”: “الدراما الحالية يجب أن تكون موجهة للأسرة، مثلما تعودنا على مسلسلات كـ(الفصول الأربعة) و(قوس قزح). كما نتمنى عودة الممثلين المستبعدين بسبب مواقفهم السياسية، لأن الدراما ليست فقط واجهة ثقافية، بل أيضاً رافد اقتصادي مهم”.
وتحدث المنتج عوني تكتوك، عن العقبات التي كانت تواجه المنتجين في ظل النظام السابق: “كنا ندفع مبالغ طائلة تحت الطاولة للحصول على موافقات تصوير أو إنتاج النصوص، ومع ذلك كنا نواجه عراقيل عديدة. أما المنتجون المرتبطون بالسلطة، فقد كانت أمورهم ميسرة. نأمل أن تكون القيادة الجديدة داعمة لصناعة الإنتاج التلفزيوني وتعمل على إزالة الاحتكار والمحسوبيات”.
تعاون الإدارة الجديدة
المخرج زهير الرجب، الذي كان يصور مسلسله “العهد” أثناء سقوط النظام، أكد في حديث لـ”963+”على التحسن في بيئة العمل بعد التغيير: “بعد سقوط النظام، رحبت الإدارة الجديدة باستكمال التصوير وقدمت لنا التسهيلات اللازمة، بما في ذلك بناء الديكورات وتأمين الحماية”.
وعن معاناة صناعة الدراما، أوضح الرجب: “لا تزال المعاناة قائمة في التسويق والبيع، لكن ما تغير هو منحنا حرية أوسع في الإنتاج بعيداً عن الرقابة المتعسفة التي كانت تعتمد على قرارات شخصية وانتقامية”.
واختتم الرجب حديثه بطلب دعم حكومي أكبر، قائلاً: “نحتاج إلى خلق فرص عمل وتسويق للأعمال الدرامية عبر رفع أسعار شراء الأعمال من قبل التلفزيون السوري وإنشاء محطات جديدة تدعم الفن والدراما. الدراما هي واجهة حضارية لسوريا، وعلينا استغلالها لتقديم صورة مشرقة عن مجتمعنا”.
وعن مسلسل “العهد”، أوضح الرجب أنه عمل اجتماعي يدعو إلى المحبة والتآخي، قائلاً: “نحتاج إلى أعمال كهذه لتقريب القلوب وبناء مستقبل أفضل”.
ووسط تحديات التسويق واستعادة ثقة المشاهد العربي، يبدو أن الدراما السورية تسير نحو مرحلة جديدة من الحرية والنهضة الإبداعية، مع آمال بدعم حكومي يواكب الطموحات الكبيرة لصنّاع الدراما ويعيد لها مكانتها عربياً.