في ظل المعاناة المستمرة للاجئين السوريين، أطلق المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، دعوة حاسمة لرفع العقوبات عن سوريا كشرط أساسي لتمكين العودة والاستقرار. ومع ذلك، تبرز تساؤلات حول العوائق الاقتصادية والقانونية التي تعرقل هذه العودة، من غياب البنية التحتية إلى غياب الاستثمارات الضرورية. ويطرح محللون تحديات إضافية تتجاوز رفع العقوبات، مما يسلط الضوء على تعقيدات تحقيق العودة المستدامة.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن رفع العقوبات المفروضة على سوريا يمثل شرطاً أساسياً لتمكين اللاجئين من العودة إلى بلادهم والاستقرار فيها.
وأضاف غراندي في منشور عبر منصة “إكس”، عقب اجتماعه مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بدمشق: “لكي تكون العودة دائمة، هناك حاجة إلى استثمارات في الأمن، والوظائف، والإسكان، والخدمات، وهي أمور يتطلب تحقيقها رفع العقوبات”. وأكد أن اللاجئين السوريين بحاجة إلى ظروف معيشية مستدامة كي يتمكنوا من إعادة بناء حياتهم في وطنهم.
اقرأ أيضاً: غراندي: رفع العقوبات عن سوريا ضرورة لعودة اللاجئين – 963+
العقوبات تثقل اللاجئين بأعباء سياسية
في إطار تعليقه على تصريحات غراندي، أكد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أن العقوبات المفروضة على سوريا “تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق الاستقرار الذي تحدث عنه غراندي”.
وقال يشوعي لموقع “963+”: “ما أشار إليه غراندي حول ضرورة الاستثمار في الإسكان والخدمات هو أمر محوري، لكن العقوبات الحالية تجعل هذه القطاعات شبه مشلولة، ما يعرقل أي جهود لإعادة الإعمار”.
وأضاف الخبير الاقتصادي: “استغلال القضايا الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية يعقّد من إمكانية عودة اللاجئين. السوريون في الخارج ينتظرون بيئة آمنة ومستقرة، وليس عبئًا سياسيًا إضافيًا”. كما أشار إلى أن “ربط العقوبات بمسألة الحكم في سوريا يطيل معاناة اللاجئين ويعطل جهود بناء البنية التحتية التي تحدث عنها غراندي”.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يربط تخفيف العقوبات بإجراءات الحكومة السورية – 963+
عودة اللاجئين تحتاج إلى دعم قانوني وإداري
من جانبه، أوضح المحامي أشرف ميلاد روكسي، أن تصريحات غراندي تعكس الواقع الحقيقي للأزمة، مشدداً على أن رفع العقوبات “ليس كافياً وحده”.
وقال روكسي لـ”963+”: “غراندي تحدث عن الحاجة إلى استثمارات في الأمن والخدمات، لكن يجب أيضاً أن نضمن وجود إجراءات قانونية وإدارية واضحة لعودة اللاجئين بكرامة”.
وأشار القانوني إلى أن عملية إغلاق ملفات اللاجئين لدى المفوضية تستغرق أشهراً، ما يبرز أهمية التنسيق بين الأطراف الدولية والحكومة السورية لضمان بيئة آمنة ومستقرة.
وأضاف: “ما قاله غراندي عن الأمن والاستقرار هو المفتاح، لكن هذه الأمور تحتاج إلى وقت وإرادة سياسية لتحقيقها”.
غياب الاستثمارات يفسر تحديات غراندي في الأمن والخدمات
وتفاعلاً مع تصريحات غراندي، قالت الباحثة في العلاقات الدولية لانا بدفان، إن العقوبات تؤثر بشكل مباشر على ما أشار إليه المفوض السامي للأمم المتحدة، من احتياجات الأمن والخدمات.
وأضافت بدفان لـ”963+”: “العقوبات الأوروبية والأميركية أدت إلى شلل كبير في قطاعات الإسكان والخدمات العامة، ما جعل الحصول على الاحتياجات الأساسية مستحيلًا بالنسبة للعديد من السوريين”.
وتابعت الباحثة: “غراندي أشار إلى أهمية رفع العقوبات لتحفيز الاستثمارات، وأضيف إلى ذلك أن عودة اللاجئين تتطلب خطة متكاملة لإعادة بناء البنية التحتية، وهي خطة تحتاج إلى دور كبير للقطاع الخاص والاستثمارات الدولية”.
كما شددت على ضرورة وجود آليات مراقبة لضمان أن تذهب هذه الاستثمارات إلى تحسين أوضاع اللاجئين بشكل مباشر.
غياب البنية التحتية يعيق العودة الدائمة
أما الخبير القانوني أحمد سعدون، فاعتبر أن ما تحدث عنه مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حول عودة اللاجئين “يتطلب معالجة مشاكل أساسية تتعلق بالبنية التحتية والصحة”.
وقال سعدون لـ”963+”: “90% من اللاجئين سيجدون عند عودتهم واقعاً صعباً يتمثل في دمار المنازل وغياب الخدمات الأساسية، وهو ما يجعل الاستثمارات التي ذكرها غراندي ضرورية لتحقيق العودة الدائمة”.
وأضاف الخبير القانوني: “حتى مع رفع العقوبات، هناك تحديات أخرى مثل نقص المستشفيات والأدوية. غراندي تحدث عن الأمن، لكن الأمن لا ينفصل عن الصحة والتعليم والخدمات الأساسية، وهي جميعها عناصر غائبة في سوريا اليوم”.
وتتفق تصريحات غراندي مع تحليلات الخبراء التي تؤكد أن رفع العقوبات عن سوريا يمثل خطوة جوهرية لتحقيق عودة دائمة ومستدامة للاجئين السوريين. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تحتاج إلى دعم قانوني وإداري، واستثمارات كبيرة في البنية التحتية والخدمات الأساسية. وفي ظل الوضع الحالي، تبقى التحديات الاقتصادية والسياسية هي العقبة الأكبر أمام تحقيق ما وصفه غراندي بـ”العودة الدائمة”.