في أول بيان له بعد سقوط نظام الأسد، هدد تنظيم “داعش” بمحاربة الإدارة السورية الجديدة في حال تطبيقها مواثيق وقوانين الأمم المتحدة، معتبراً أن الفصائل المشاركة في عملية “ردع العدوان” التي أسقطت نظام الأسد هي “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى. وفي إصدار مرئي نشره التنظيم عبر “تلغرام”، اتهم “داعش” من يدعو لدولة مدنية في سوريا بأنهم “شركاء وعملاء لليهود والصليبيين وطاغية جديد”، متسائلاً عن “سبب الخروج على نظام بشار الأسد إن كانت الثورة ستفضي إلى نظام حكم دستوري”.
وأضاف التنظيم، في هجومه على الإدارة السورية الجديدة، أن الفصائل العسكرية التابعة للإدارة الجديدة تعمل على تنفيذ “حرب بالوكالة بين البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، مؤكداً أنها تسعى لتحقيق مكاسب سياسية على طاولات التفاوض. كما اعتبر التنظيم أن “ثورة تحرير من نظام قمعي” تتجه إلى تأسيس “نظام آخر ديموقراطي يتقاسم السلطة”، وهو ما وصفه بـ “الثورة الجاهلية”.
مخاوف من عودة داعش للنفوذ
في تحليل لهذه التهديدات، أكد خالد حماده، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات في بيروت، أن المخاوف من عودة تنظيم “داعش” إلى نشاطاته “الإرهابية” تعدّ تخوفاً منطقياً، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول إدارة جديدة إلى الحكم.
وقال حماده لموقع “963+”: “التنظيم يستغل الفراغ الأمني والتغيرات السياسية التي نشأت بعد سقوط النظام السوري ليعيد بناء خلاياه ويمارس نشاطه بشكل تدريجي”. وأشار إلى أن التهديدات التي أطلقها “داعش” تتزامن مع تصاعد أنشطته في عام 2024، “مستفيداً من التناقضات داخل المعارضة والتأجيل في إيجاد صيغة لهيكلة الدولة السورية”.
وأضاف الأكاديمي: “إن التنظيم يرى في هذه الفوضى فرصة لتجديد نشاطه وتجنيد المزيد من العناصر، مستفيداً من التأثيرات الإقليمية، خاصة من بقايا النظام السوري وإيران ومجموعات أخرى مرتبطة بروسيا”. وأكد أن ضعف التنسيق بين الإدارة الجديدة والولايات المتحدة يجعل “داعش” قادراً على إعادة ترتيب صفوفه، خصوصاً مع التأجيل في دمج الفصائل المسلحة ضمن هيكلية وطنية.
“داعش” والمخاوف الإقليمية
في السياق ذاته، قال الخبير العسكري الاستراتيجي جلال العبادي، المقيم في الأردن، إنه من غير المتوقع أن يشهد تنظيم “داعش” تصاعداً كبيراً في نشاطه داخل سوريا في المرحلة الحالية، خاصة بالنظر إلى الظروف الإقليمية والدولية.
وأضاف العبادي لـ”963+”: “داعش يركز في الوقت الحالي على بادية الشام السورية حيث لا تزال هناك فرص لتحركاته، لكنه يواجه رقابة شديدة من التحالف الدولي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ما يحد من نشاطه”. وأوضح أن التنظيم يُستهدف بشكل مستمر عبر الضربات الجوية من قبل طيران التحالف، ما يعيق قدرته على إعادة بناء خلاياه بسهولة.
ورغم ذلك، أشار الخبير العسكري إلى أن “داعش” لا يزال يشكل تهديداً في مناطق أخرى مثل العراق، حيث قد تزداد أنشطته في هذا البلد نظراً للمناخ الأمني المتغير هناك. لكنه أكد على أن التنظيم في سوريا “لا يزال يواجه صعوبات في استهداف الفصائل المعارضة التي تعرف أساليبه جيداً ولا تسمح له بتنفيذ هجمات مؤثرة ضد الإدارة السورية”.
اقرأ أيضاً: القوات الأميركية تشن غارة جوية ضد “داعش” شرقي سوريا – 963+
ديناميكيات التحول السياسي
من جهته، تحدث الصحافي والمحلل السياسي اللبناني سعد كيوان، عن التحديات التي تواجهها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى أن الوضع “لا يزال غير مستقر”. وقال كيوان لـ”963+”: “السلطة في سوريا انتقلت إلى فصائل معارضة تضم توجهات دينية متعددة، ولا يزال الشعب السوري يتساءل عن مسار الثورة ومدى إمكانية الوصول إلى نظام حكم دستوري في ظل هذا الانقسام”.
وتعليقاً على بيان “داعش” الذي هاجم دعوات إنشاء دولة مدنية في سوريا، أضاف كيوان: “داعش يسعى لاستغلال هذه التحديات الاجتماعية والتوترات الداخلية لنشر خطابه المتشدد بين فئات المجتمع السوري الضعيفة، مثل العائلات المحتاجة أو الذين يعانون من الأوضاع المعيشية الصعبة”.
وأوضح المحلل السياسي أن “التنظيم سيستغل النزاعات المذهبية بين الطوائف، مثل التوترات بين السنة والعلويين، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين، لزعزعة الاستقرار”.
وأشار كيوان إلى أن “داعش يواجه بيئة مناسبة للانتشار إذا فشلت الإدارة الجديدة في بناء دولة مدنية تحترم الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب السوري”. وقال: “ما يحتاجه السوريون اليوم هو نظام قانوني ديمقراطي يمكن أن يضمن الحقوق لجميع الأطراف ويحد من الفراغ الذي يسعى تنظيم داعش لاستغلاله”. وأكد أن “داعش في جوهره مشابه للنظام البعثي في سلوكه، لكنه يعتمد على التعصب الديني بدلاً من القومية”.
اقرأ أيضاً: إحباط محاولة اعتداء على مقام “السيدة زينب” بريف دمشق – 963+
إزاء هذه التهديدات والتحليلات، يظل تنظيم “داعش” يشكل تهديدًا قائمًا للأمن في سوريا، خاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية الكبيرة التي تواجهها الإدارة الجديدة في البلاد. ورغم وجود العديد من العوامل التي قد تعوق تحركات التنظيم، تبقى هناك حاجة ملحة لإيجاد حلول سياسية وأمنية فعّالة تتضمن توحيد الفصائل المسلحة وتحقيق استقرار داخلي لمواجهة محاولات “داعش” لإعادة بناء نفوذه.
وكانت قد شاركت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة الجديدة في سوريا أدت لإحباط مخطط لاستهداف مرقد السيدة زينب في دمشق من قبل تنظيم “داعش”، وفقاً لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست”.
ونقلت الصحيفة عن عدة مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين مطلعين، القول إن عملية تبادل المعلومات جرت خلال لقاءات مباشرة بين مسؤولين استخباريين أميركيين وممثلين عن هيئة تحرير الشام، وليس عبر طرف ثالث.
وقال مسؤول سابق إن تبادل المعلومات الاستخبارية بدأ بعد حوالي أسبوعين من وصول “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها أحمد الشرع إلى السلطة في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد هروب بشار الأسد إلى موسكو.
وكانت الحكومة السورية الجديدة أعلنت في 11 كانون الثاني/ يناير، أنها أحبطت مخططا لتنظيم “داعش” كان يستهدف تفجير قنبلة في مقام السيدة زينب، في ضواحي دمشق، حسبما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية في حينها.
وبحسب المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين فقد أحبط المخطط بفضل التحذيرات التي قدمتها وكالات الاستخبارات الأميركية.