دمشق
تتسارع جهود الإدارة السورية الجديدة في الهيكلة وإعادة تشكيل الجيش السوري، وقد أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً بين الخبراء العسكريين حول كيفية دمج الفصائل المسلحة والضباط المنشقين ضمن جيش موحد، في خطوة تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى البلاد بعد سنوات من الحرب والصراع.
وتكثف معرفات الإدارة السورية الجديدة من الحديث عن اجتماع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة مع فصائل مسلحة لتشكيل وزارة الدفاع وهيكلة الجيش.
وتعتبر هيكلة الجيش السوري الجديد من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، بسبب حالة الفصائلية التي استمرت لنحو 14عاماً، وقيادتها من قبل أشخاص مدنيين، ومدى رضى هؤلاء بتسليم أسلحتهم للإدارة الجديدة.
ترفيعات ومنح رتب
علاوة على ذلك تبرز قائمة الترفيعات لأشخاص مدنيين برتبة ضابط تحدياً آخراً، وكذلك منح رتب لمقاتلين أجانب، يحتاج إدماجهم في الجيش لحكومة شرعية ومواد دستورية لمنحهم الجنسيات، وسط قلق عربي من احتواء سوريا لمثل هؤلاء المقاتلين.
في حين يتواجد حوالي 6 آلاف ضابط من المنشقين لم تتطرق وزارة الدفاع الجديدة للحديث عنهم، رغم إبداء الكثير منه جاهزيته للانخراط في وزارة الدفاع، لكن في المقابل لم تتحدث وزارة الدفاع عنهم وعن دورهم المستقبلي.
في خضم ذلك، لم تقدم وزارة الدفاع رؤيتها حول شكل الجيش، وإذا ما كان سيتقبل إدماج ضباط سابقين في صفوف النظام المخلوع من أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وفي اختصاصات بارزة، لم تحتويها الحالة الفصائلية.
إدارة العمليات العسكرية بقيادة أحمد الشرع، كانت قد أكدت على حل جميع الفصائل ونزع سلاحها وحصر السلاح بيد الدولة، وضمها جميعاً إلى جيش سوريا الجديد في إطار وزارة الدفاع، وأجرت لقاءات مكثفة مع قادة من جميع الفصائل في الشمال والجنوب بما في ذلك “غرفة عمليات الجنوب” و”الجيش الوطني” لبحث تسريع حلها وتشكيل الجيش.
وأكدت الإدارة أنها ستبدأ بسحب السلاح الثقيل من كافة الأطراف، في خطوة تهدف إلى تقليص حالة التوتر وتعزيز الاستقرار. كما تم الاتفاق على تجهيز مواقع مخصصة لاستلام السلاح الذي كان بحوزة النظام السابق، في إطار خطة شاملة لإعادة تنظيم المشهد الأمني والعسكري في الجنوب السوري.
رؤية ضبابية
في تصريحاته حول الوضع العسكري في سوريا، وصف العميد أحمد رحّال، الأكاديمي والمحلل العسكري، مرحلة تشكيل الجيش السوري الجديد بأنها “ضبابية” حتى الآن، رغم التصريحات المتكررة حول تشكيل الجيش الجديد. ورأى أن الضباط المنشقين يجب أن يكونوا حجر الزاوية في تشكيل جيش سوريا المستقبل، خاصة أنهم يملكون الخبرات العسكرية اللازمة لإعادة بناء الجيش.
وأكد رحّال لموقع “963+” أنه رغم إرسال وفد من الضباط المنشقين للقاء الإدارة السورية الجديدة في دمشق، إلا أنهم لم يتلقوا أي تجاوب من قبلها، مما يثير الكثير من التساؤلات حول جدية الإدارة في التعامل مع الضباط الذين يعتبرهم رحّال “مؤهلين تمامًا للانخراط في تشكيل الجيش الجديد”.
وأضاف المحلل العسكري أنه يرفض منح رتب عسكرية لمدنيين أو مقاتلين أجانب، معتبرًا أن هذا يضر بتماسك الجيش ويعقد عملية بناء مؤسسات الدولة العسكرية. وأكد أن الجيش السوري الجديد يجب أن يضم كافة مكونات الشعب السوري دون أي انتماءات فصائلية أو طائفية، مع التركيز على حماية الحدود والدستور، بعيدًا عن الانخراط في السياسة.
اقرأ أيضاً: بعد تصريحات عبدي.. هل تندمج “قسد” في جيش سوريا الجديد؟
صياغة تفاهم.. ولكن!
من جهته، شدد نضال أبو زيد، الخبير العسكري والاستراتيجي، على أن عملية الدمج بين الفصائل المسلحة والجيش الجديد “تحتاج إلى صياغة تفاهمات معقدة، بسبب تعدد المرجعيات والولاءات للأيديولوجيات المختلفة داخل هذه الفصائل”.
وأشار أبو زيد في حديث لـ”963+” إلى أن بعض الفصائل، مثل “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة، قد رفضت الانخراط في خطة الدمج بسبب رغبتها في الانضمام كوحدة واحدة دون تفكيكها إلى مكونات صغيرة، وهو ما يعكس حجم التحديات في تحويل هذه الفصائل إلى جيش موحد.
وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي، أن دمج الفصائل في الجيش قد يؤدي إلى “مشكلات تنظيمية كبيرة”، حيث قد يصبح هيكل الجيش الجديد أقرب إلى هيكلية الفصائل نفسها، مما يقلل من فعالية التنسيق والقيادة الموحدة.
كما أشار إلى أن الخطة الحالية تركز في البداية على دمج الفصائل المسلحة، ومن ثم سيُستوعب الضباط والأفراد المنشقون ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء في المراحل اللاحقة. وهو ما يراه أبو زيد “قد يشكل خطراً” في بنية الجيش إذا لم يتم بناء قاعدته العسكرية على أسس منظمة قبل دمج العناصر الأخرى.
اقرأ أيضاً: مصر حذرة في التعامل مع الإدارة السورية الجديدة… لماذا؟
اختلاف في الرؤى حول العقيدة القتالية للجيش الجديد
أما فيما يتعلق بالعقيدة القتالية للجيش السوري الجديد، فقد أشار أبو زيد إلى أن الجيش الجديد سيكون مختلفاً عن الجيش التقليدي الذي عرفته سوريا في الماضي. ورأى أن “العقيدة العسكرية ستكون أقرب إلى مفاهيم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يتماشى مع توجهات تركيا التي عرضت مساعدتها في تدريب الجيش السوري الجديد”.
وأضاف أبو زيد أن “الجيش الجديد سيكون أكثر قدرة على التعامل مع الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، بدلاً من التركيز على الحروب التقليدية”.
في المقابل، لا يوافق رحّال على هذا التوجه، حيث يعتبر أن “الجيش السوري الجديد يجب أن يكون جيشاً تقليدياً يدافع عن الحدود الوطنية ويحمي الدستور، بعيداً عن أي تدخلات سياسية من قوى خارجية مثل تركيا أو غيرها”. ويرفض رحّال فكرة بناء جيش يعتمد على عقيدة قتالية متأثرة بالخارج.
وبينما يرى رحّال ضرورة استيعاب الضباط المنشقين في الجيش السوري الجديد، يعتقد أبو زيد أن الدمج يجب أن يتم بشكل تدريجي، ويأخذ في اعتباره التحديات التنظيمية التي قد تطرأ نتيجة تنوع خلفيات الضباط والفصائل.
وتستمر النقاشات والخلافات حول شكل وطبيعة الجيش السوري الجديد، حيث تبدو الإدارة السورية الجديدة في موقف حرج بين الاستفادة من خبرات الضباط المنشقين وبين دمج الفصائل المسلحة التي تتنوع ولاءاتها. وقد يظل تشكيل الجيش السوري الجديد مهمة معقدة في ظل هذه التباينات في الرؤى، مما يستدعي العمل على تحقيق توافق شامل يعزز وحدة الجيش ويضمن استقرار سوريا في المستقبل.