تتواصل الاشتباكات العنيفة والعمليات العسكرية بمحيط سد تشرين جنوب شرقي مدينة منبج بريف محافظة حلب، حيث تدافع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) عن السد ضد القصف المكثف الذي تنفذه الطائرات الحربية التركية والمسيّرات، بالإضافة إلى القذائف المدفعية. وقد أسفرت العمليات عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، معظمهم من المدنيين الذين أرسلتهم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للاعتصام على جسم السد في محاولة لوقف الهجمات التركية.
الإدارة الذاتية طالبت بتحييد السد عن الأعمال العسكرية، خاصة في ظل تجاهل تركيا للدعوات الدولية لإعلان هدنة. ووفقًا للإدارة الذاتية، فإن العمليات العسكرية تهدد سلامة السد الذي يعد من المنشآت الحيوية الاستراتيجية في المنطقة.
وفي سياق متصل، أصدرت منظمة “أطباء بلا حدود” بياناً أعربت فيه عن “قلقها العميق إزاء تصاعد العنف في شمال سوريا، بما في ذلك الهجمات التي طالت سيارات الإسعاف وأدت إلى مقتل عاملين في المجال الصحي”. وأكدت المنظمة أن “هذه الأعمال العدائية تهدد بتعطيل المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة”، داعية جميع الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين والبنية التحتية الصحية.
مخاطر انهيار السد وتداعياته
سد تشرين، الذي يبلغ طوله 1.5 كيلومترًا ويحتوي على محطة كهرومائية بقدرة 105 ميغاواط، يحبس نحو 1.9 مليار متر مكعب من المياه. ويؤدي القصف المتواصل إلى ارتفاع منسوب المياه في بحيرته، مما يهدد بتعطيل آلياته الحيوية وعنفاته. انهيار السد قد يتسبب بفيضانات كارثية، تهدد حياة الملايين والمناطق الزراعية الممتدة على ضفاف نهر الفرات من شمال سوريا إلى العراق.
قال الكاتب السياسي السوري المقيم في سويسرا، جوان يوسف، لموقع “963+” إن “أي ضرر يلحق بجسم سد تشرين أو انهياره سيؤدي إلى مخاطر بيئية وإنسانية جسيمة. يمكن أن يتسبب ذلك في تدمير مئات القرى على ضفاف نهر الفرات، وتشريد آلاف السكان، فضلًا عن تعطيل مساحات زراعية شاسعة”.
وأضاف يوسف: “السد ليس مجرد منشأة مائية بل هو عنصر استراتيجي يتحكم في إمدادات المياه والكهرباء لمنطقة تمتد من شمال سوريا إلى العراق. كما أنه يمثل مصدر قوة للطرف الذي يسيطر عليه في المعارك الدائرة على الأرض”.
الأبعاد الاستراتيجية للصراع حول السد
من جهته، أشار أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال، حسن الدعجة، إلى أن “سد تشرين يعد ورقة ضغط استراتيجية بين الأطراف المتصارعة. موقعه الجغرافي يجعله عقدة تربط بين مناطق نفوذ متعددة، والسيطرة عليه تعني التحكم في مصادر حيوية مثل المياه والكهرباء”.
وأضاف الدعجة لـ”963+”: “بالنسبة لقوات سوريا الديموقراطية والإدارة الذاتية، السد يمثل مصدراً رئيساً لتوليد الكهرباء والمياه، ويعزز من استقلاليتهم في إدارة موارد المنطقة. كما أنه يعتبر نقطة دفاع استراتيجية في وجه أي هجمات عسكرية. في المقابل، يمثل السد لتركيا هدفاً عسكرياً لتحقيق السيطرة على مصادر المياه والطاقة، مما يضعف الإدارة الذاتية ويعزز نفوذها الإقليمي”.
ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، تسبب القصف التركي في تعطيل عمل السد بشكل متكرر، بما في ذلك توقف توليد الكهرباء عن مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا. الاشتباكات التي تصاعدت في كانون الثاني/ يناير 2025 أدت إلى ارتفاع منسوب المياه داخل بحيرة السد، ما يهدد سلامة الهيكل الإنشائي ويزيد من احتمالية وقوع فيضانات كارثية.
الدعجة حذر من أن “انهيار السد قد يؤدي إلى غمر آلاف القرى بالمياه، وتدمير مساحات زراعية شاسعة، مما يضاعف من الأزمة الإنسانية القائمة في المنطقة. كما أن تعطل السد يهدد بقطع إمدادات الكهرباء والمياه عن ملايين السكان، ويمثل خطرًا بيئيًا يمتد تأثيره إلى العراق”.
مطالب دولية متزايدة لوقف التصعيد
في ظل استمرار القتال بمحيط السد، تواصل الإدارة الذاتية مناشدة المجتمع الدولي لإرسال قوات أممية لحماية السد ومنع استهدافه. وصرح مسؤولون بالإدارة الذاتية أن “التجربة السابقة في محطة مياه علوك، التي سيطرت عليها القوات المدعومة من تركيا، أثبتت أن مثل هذه المنشآت يمكن أن تُستخدم كورقة ضغط سياسي وعسكري”.
على الجانب الآخر، تستمر تركيا في استهداف محيط السد، متذرعة بأن العمليات العسكرية تستهدف “إزالة التهديدات الإرهابية” في المنطقة.
وبينما يلوح خطر انهيار سد تشرين في الأفق، تتزايد الدعوات المحلية والدولية لتجنب كارثة بيئية وإنسانية قد تكون آثارها مدمرة. الخبراء والمراقبون يُجمعون على أن تحييد السد والمنشآت الحيوية عن دائرة الصراع هو خطوة ضرورية، لا تحتمل التأجيل، للحفاظ على حياة الملايين واستقرار المنطقة بأكملها.