قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن يوم الجمعة الماضي في مقابلة تلفزيونية، إن الأولوية الآن هي لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري بمشاركة جميع القوى والشرائح، معتبراً أن الحديث عن دستور سوري جديد يحتاج إلى وقت أطول، ما أعاد التساؤلات بشأن مؤتمر الحوار الوطني وموعد انعقاده، وما هي القوى التي ستشارك فيه، وما مدى إسهام ذلك في دفع عملية الانتقال السياسي الشامل بالبلاد؟
قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، كان قد قال خلال مقابلة تلفزيونية أواخر الشهر الماضي، إن مؤتمر الحوار الوطني سيعقد بين الخامس والسادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، قبل أن يتم الإعلان عن تأجيله الذي أرجعه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني إلى تأخر تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تمثل جميع المحافظات، إلا أن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أشار قبل أيام إلى أن المؤتمر سيعقد أواخر شباط/ فبراير.
وترى قوى سياسية سورية وأطراف إقليمية ودولية، أن عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، يعتبر أحد أبرز المسارات في دفع عملية الانتقال السياسي وتحديد ملامح العملية السياسية في المراحل اللاحقة، من حيث تشكيل لجان لإعداد دستور جديد أو تعديل الدستور السابق للبلاد، تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة يختار بموجبها السوريون من يمثلهم في مؤسسات الحكم.
شكوك بإمكانية عقد مؤتمر الحوار
الأكاديمي السوري الدكتور يحيى العريضي المقيم في فرنسا، يرى أن “هناك شكوك بنجاح عقد مؤتمر الحوار الوطني، حيث أن هناك تجاذبات وتباينات سياسية عميقة، لا يزال بعضها يسيطر على الجغرافيا السورية، إلى جانب التحديات الأمنية وقضية الاستقرار والقضايا الحياتية والمعيشية التي تعتبر أولويات”.
ولكنه يؤكد في تصريحات لموقع “963+”، أن “جميع المعوقات التي تم ذكرها لا تمنع من استمرار الإعداد والتهيئة لمؤتمر الحوار الوطني، الذي في حال عقده سيسهم في وضع البلاد على سكة الحياة مجدداً، بما في ذلك العملية السياسية”.
ترجيحات بالتأجيل
ويرجح الكاتب الصحفي السوري المقيم في فرنسا فراس علاوي خلال تصريحات لـ”963+”، تأجيل المؤتمر إلى ما بعد شهر أيار/ مايو القادم، في ظل معوقات عديدة أبرزها مرتبط بالوقت من حيث أنه لا يمكن إنجاز مؤتمر خلال أربعين يوماً فقط، لأن ذلك يتطلب دراسة الشخصيات وكيفية توزيع الدعوات، كما أن السوريين لا يعرفون بعضهم بشكل جيد بعد 14 عاماً من الحرب، إلى جانب التحديات الأمنية والاقتصادية واللوجستية”.
ويضاف إلى ذلك بحسب علاوي، أن “معظم السوريين متواجدون خارج البلاد وبعضهم لاجئون وآخرون لا يملكون جنسيات، وهم خبراء يمكن الاعتماد عليهم في صياغة الدستور وغير ذلك، وبعضهم نشطاء سياسيين واقتصاديين وقانونيين”، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تريد أن يكون هذا الحوار تحت إشراف دولي ليأخذ نوعاً من الشرعية الدولية.
تحديات عديدة وغياب التفاهمات
ومن جانبه، يعتبر السياسي والديبلوماسي السوري بشار الحاج علي المقيم في النمسا، أن “تصريحات بيدرسن تعكس أهمية عقد مؤتمر الحوار الوطني كخطوة أساسية في العملية السياسية السورية، لكن نجاح التحضيرات للمؤتمر يتوقف على التزام الأطراف السورية واستعدادها للانخراط في حوار شامل”، ويقول في تصريحات لـ”963+”، إن “التحدي الأبرز هو موقف الإدارة الجديدة التي ترفض مشاركة الآخرين ككيانات سياسية أو تنظيمات وتفضل دعوة المشاركين كأفراد”.
ويؤكد حاج علي، أن “هذا النهج قد يضعف من جدوى المؤتمر، إذ أن نجاح أي حوار يتطلب تمثيلاً واضحاً للقوى السياسية والفعاليات والنخب، بما يعكس التنوع الوطني السوري ويضمن المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد”، مشيراً إلى أن “من أبرز المعوقات أمام عقد المؤتمر، هو غياب الاتفاق والتفاهم مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، والانقسامات الداخلية وحالة عدم الثقة بين الأطراف المختلفة التي تعرقل التوافق حول القضايا الوطنية الكبرى، إلى جانب التأثيرات الإقليمية والدولية”.
والأسبوع الماضي، رجّح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، إصدار مجلس الأمن الدولي خلال الفترة المقبلة قراراً جديداً بديلاً عن القرار الأممي “2254”، وقال إن “القرار ينص على إجراء حوار بين المعارضة السورية والنظام المخلوع وهذا لم يعد مفيداً خلال الوقت الحالي، وأن المبادئ الأساسية للقرار يتوافق عليها معظم السوريين اليوم، فالمبدأ الأول يتحدث عن حماية سوريا ووحدة أراضيها وسلامتها، والمبدأ الثاني يتعلق بضرورة وجود عملية سياسية شاملة وغير طائفية”.
وكان مصدر مقرب من الإدارة السورية الجديدة قد كشف لقناة تلفزيونية سورية أواخر الشهر الماضي، أنه “من المقرر أن يتم الإعلان عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر وستتم دعوة 1200 شخصية سورية من الداخل والخارج على مستوى الأفراد وليس الكيانات، ويمثل كل محافظة ما بين 70-100 شخص من كافة الشرائح”.
المساهمة في تثبيت الأمن
وبحسب حاج علي، فإنه “على الرغم من أن الأمن والاستقرار يمثلان أولوية قصوى في المرحلة الحالية، إلا أن التأخير في عقد مؤتمر وطني شامل قد يؤدي لنتائج عكسية حتى على المستوى الأمني، حيث أن الشعور بالتهميش يضعف الاستقرار ويفاقم الأزمات، وللتغلب على ذلك لا بد من الإسراع بتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع الأطراف وتعمل وفق إعلان دستوري، وعليه يصبح عقد المؤتمر الوطني أولوية قصوى، لأنه يمثل فرصة لتوحيد الصف الوطني، وإطلاق حوار جاد حول مستقبل البلاد”.
ويشاطر علاوي بشار حاج علي الرأي، بشأن أن “انعقاد المؤتمر يساهم في تثبيت الأمن وصياغة مخرجات حقيقية ومفيدة، لكن في الوقت ذاته فإن الأمن هو مشكلة من مشاكل عدم انعقاد المؤتمر، إلى جانب انتشار السلاح والفصائلية والتبعية وغيرها، تجعل من الأهمية التأني في عقده بدلاً من الاستعجال في ذلك”.
وقال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني في مقابلة تلفزيونية على هامش منتدى دافوس للأمن في سويسرا الأسبوع الماضي، إن “لجنة خبراء من مختلف المكونات السورية ستعمل على صياغة دستور للبلاد بعد إجراء حوار وطني شامل”، مشيراً إلى أن “سوريا لن تكون مصدر تهديد لأي دول ولن تجر إلى أي حرب طائفية”.
ورغم كل ما يحيط بمؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده، من ظروف وتحديات كبيرة، يرى فيه سوريون خطوة أولى نحو عملية سياسية حقيقية، وإزالة الضبابية التي تعتري المشهد العام، وبلورة رؤية أولية على الأقل بشأن الخطوات اللاحقة الأساسية لمستقبل البلاد السياسي، من صياغة دستور وإجراء انتخابات وجهود التعافي الاقتصادي وتحقيق التشاركية بين جميع الأطراف.