أكدت الجامعة العربية على دعمها لعملية انتقال سياسي شاملة في سوريا دون تدخلات خارجية، تزامناً مع دعوة أطلقتها الخارجية الأميركية تطالب بـ”انتقال شامل في البلاد يشمل جميع السوريين مع ضمان ألا تتحول إلى مصدر للإرهاب الدولي”، ما يطرح تساؤلاً بشأن حاجة سوريا بالفعل إلى مثل هذه العملية، وإمكانية إنجازها في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد؟
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، قال في كلمة خلال جلسة في مجلس الأمن الدولي خاصة بالتعاون بين المجلس والجامعة برئاسة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يوم الخميس، إنهم “يؤيدون إرادة الشعب السوري وتطلعاته إلى حياة أفضل بعد معاناة طويلة على يد رئيس النظام المخلوع بشار الأسد”، مضيفاً أن “الجامعة تدعم مثل هذه العملية في سوريا من أجل التمهيد لخروجها من أزمتها دون تدخلات أو إملاءات خارجية”.
من جانبه، أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ خالد خياري في كلمة خلال الجلسة، أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون يواصل مشاركته الوثيقة مع جامعة الدول العربية لتنسيق الدعم لعملية سياسية شاملة في سوريا، وقال: “بينما تسعى سوريا إلى رسم مسار جديد بعد سقوط النظام البائد، يواصل بيدرسون مشاركته الوثيقة مع جامعة الدول العربية ودولها الأعضاء لتنسيق الدعم لعملية سياسية شاملة بقيادة وملكية سورية”
اقرأ أيضاً: مظلوم عبدي: انخراط “قسد” ضمن هيكلية الدولة يحتاج مقاربة مدروسة
سبق ذلك، تشديد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، على “الحاجة إلى انتقال شامل في سوريا مع ضمان أن تمنع الحكومة الجديدة من أن تصبح البلاد مصدراً للإرهاب الدولي”، وفق ما أفاد بيان صادر عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية تامي بروس أمس الخميس.
ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تتوالى التصريحات من المسؤولين الأمميين والغربيين والعرب، بضرورة إنجاز عملية انتقال سياسي بإيادي سورية بعيداً عن أي إملاءات أجنبية، وصولاً إلى بلاد مستقرة تسمح فيها الظروف بعودة اللاجئين، رغم التحديات الكبيرة التي تمر بها من تدهور كبير في جميع القطاعات بما في ذلك الاقتصاد، وانهيار بالبنية التحتية واستمرار العقوبات الغربية.
بناء هيكلية الدولة
الكاتب الصحفي السوري عبد الحميد توفيق المقيم في دمشق، يقول إن “سوريا أحوج ما تكون إلى عملية انتقال سياسي تطلبي متطلبات شرائح المجتمع، فالبلاد لم يعد لها هوية سياسية بعد سقوط النظام، وبالتالي الآن بعد وصول سلطة جديدة بعقيدة وذهنية جديدة وبنى فكرية، فإن إنجاز هذه العملية السياسية سيكون هو الحاضنة الأساسية لبناء هيكلية الدولة السورية”.
لكنه يرى خلال تصريحات خاصة لموقع “963+”، أن “المعوقات أمام إنجاز عملية الانتقال السياسي كثيرة جداً، وأولها هو المعوقات الداخلية من حيث أن السلطة الجديدة بحاجة إلى مصالحة شاملة تجريها مع جميع القوى والمكونات السورية، إلى جانب ضرورة حل مسألة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بطريقة وطنية، وأهمية إجراء مصالحة مع الطائفة العلوية بالساحل”، مؤكداً أن الوصول إلى الانتقال السياسي يبدأ بنقطة جوهرية هي قدرة السلطة الجديدة على دمج الفصائل في جميع أنحاء البلاد بجسم عسكري تحت إمرة وزارة الدفاع”.
اقرأ أيضاً: هل تنجح سوريا في تجاوز العقوبات وبناء مستقبل جديد؟
تحديات كبيرة ومعوقات كثيرة
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حسام نجار المقيم في بولندا، يرى أن “القيادة الجديدة تسلمت بلاد مدمرة ومنهوبة الثروات وفيها تركة ثقيلة من عمليات نهب وسرقة وقتل، ووجود لفلول النظام المخلوع التي ما زالت تمتلك السلاح، لذلك فإن أي عملية انتقال سياسي تتطلب أولاً استتباب الأمن، ولا يمكن إتمامها قبل سحب السلاح وبناء جيش موحد لا فصائل فيه، وتلبية احتياجات المواطنين وتثبيت الدولة الجديدة، وفي التاريخ أمثلة عن العديد من الدول الغربية التي احتاجت لسنوات بعد الحروب حتى أجريت فيها انتخابات”.
وبشأن المعوقات أمام إنجاز عملية الانتقال السياسي، يقول نجار في تصريحات لموقع “963+”، إن “أبرز المعوقات هي الحاجة لوجود أحزاب سياسية ومسألة حزب “البعث” من حيث مشاركته أو ملاحقة عناصره، وهل ستتم هذه العملية بمراقبة وإشراف أممي أم بشكل محلي، إلى جانب مسألة التعداد السكاني والبنى التحتية المهدمة، والدستور الذي سيتم الاعتماد عليه، ومن هم الذين سيشكلون الحكومة وماهي توجهاتهم”.
أوضاع اقتصادية صعبة
ويشدد، على أن “المواطن السوري الآن همه الأول هو تأمين المعيشة والعمل والجانب الاقتصادي، وليس لديه رفاهية العمل السياسي، لذلك لكي تسير الإدارة الجديدة بعملية الانتقال السياسي لابد من رفع العقوبات الاقتصادية على سوريا وزيادة الدعم الاقتصادي والسياسي والديبلوماسي، حيث أنه لا يمكن وضع العصي في العجلات والطلب منها السير للأمام”، على حد تعبيره.
إلا أن الكاتب والباحث السياسي يوسف دياب المقيم في بيروت، يؤكد أن “سوريا لن تستقر بشكل نهائي إلا بإنجاز عملية انتقال سياسي شاملة، وهي لن تحصل إلا من خلال انتخابات نيابية ورئاسية حرة حيث يعبر الشعب عن إرادته عبر صناديق الاقتراع وليس كما كان في حكم نظام بشار الأسد”، معتبراً أن “الظروف تسمح الآن بإنجاز هذا الانتقال عبر استغلال المرحلة الانتقالية”.
لكنه يرى خلال تصريحات لـ”963+”، أن “أبرز المعوقات تتمثل بضرورة إشراك جميع المكونات السورية بالعملية السياسية حتى يشعر الجميع بأنه شريك في عملية بناء الدولة السورية، وعليه فإن المفاوضات مع “قسد” والتسويات مع عناصر وضباط من النظام السابق هي أشياء مطمئنة، إلى جانب أن الأمن هو مستتب في البلاد ولا وجود لعمليات انتقام”.
اقرأ أيضاً: زيارة وفد الجامعة العربية إلى دمشق: تطلعات سياسية وتحديات اقتصادية
رفع العقوبات مفتاح الانتقال السياسي
وبحسب توفيق، فإن “الدعم الخارجي والمساندة العربية وتعليق العقوبات يمكن أن تدفع باتجاه إنجاز عملية الانتقال السياسي لكن لا يعتقد أنهم يقدمون شيئاً مجانياً، حيث أن هناك مصالح دول هي التي ترسم خطواتها السياسية، فالدول العربية تريد أن تكون السلطة الجديدة هي لجميع السوريين على قاعدة وحدة سوريا وسيادتها وعدم اندماجها بأي محور إقليمي والمقصود هنا تركيا، بينما الجانب الغربي يريد قضايا تتعلق بحقوق الإنسان ودور المرأة، إلى جانب طمأنة إسرائيل تجاه هذه السلطة، وضمان خروج روسيا من سوريا ومنع عودة إيران”.
ويلفت دياب، إلى أن “الدعم لسوريا يجب ألا ينتظر عملية الانتقال السياسي، بل يجب أن تبدأ من الآن بما في ذلك رفع العقوبات المفروضة على البلاد من أجل إعادة الإعمار”.
وقبل أيام، رجّح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، إصدار مجلس الأمن الدولي خلال الفترة المقبلة قراراً جديداً بديلاً عن القرار الأممي “2254”، وقال إن القرار ينص على إجراء حوار بين المعارضة السورية والنظام المخلوع وهذا لم يعد مفيداً خلال الوقت الحالي.
وذكر، أن “المبادئ الأساسية للقرار “2254” يتوافق عليها معظم السوريين اليوم، فالمبدأ الأول يتحدث عن حماية سوريا ووحدة أراضيها وسلامتها، والمبدأ الثاني يتعلق بضرورة وجود عملية سياسية شاملة وغير طائفية”.