خاص ـ نادر دبو/ درعا
في أحد الأيام، قررت سميرة النصار مع عائلتها العودة إلى وطنها سوريا بعد سنوات من اللجوء في لبنان. عائلتها الصغيرة تتكون من زوجها وأطفالها الثلاثة. حلموا بالعودة إلى قريتهم نمر في ريف درعا الشمالي، جنوبي سوريا، حيث يمكنهم بدء حياة جديدة واستعادة ذكرياتهم الضائعة.
تقول سميرة بلهجتها العامية لموقع “963+”: “والله يا خيّ، بعد هالسنين بالغربة بلبنان قررنا نرجع على بلدنا، قلنا الوضع هون أريح وما بدنا نضل برّا. بس تفاجأنا بالإيجارات، شلون صارت نار، وكل البيوت مدمرة. لقينا حالنا مجبورين نستأجر شقة صغيرة ما بتكفي، وغير صالحة للسكن، وبندفع عليها نص دخلنا الشهري”.
وشهدت الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في أعداد السوريين العائدين إلى وطنهم، سواء من مناطق الشمال السوري التي كانت تحت سيطرة فصائل مختلفة أو من دول الجوار مثل لبنان والأردن، حيث قضى كثير منهم سنوات طويلة في ظروف معيشية صعبة.
وجاءت عودة المهجرين مدفوعة بتحسن نسبي في الوضع الأمني في بعض المناطق، إلى جانب الشعور بالحنين للوطن والرغبة في إعادة بناء حياتهم من جديد. ومع ذلك، لم تكن العودة خالية من العقبات، إذ يواجه هؤلاء العائدون تحديات معقدة، على رأسها غلاء أسعار الإيجارات وغياب الخدمات الأساسية، حتى في المناطق التي تعرضت للدمار الجزئي أو الكلي.
ومسألة تأمين مسكن للعائدين أصبحت أزمة خانقة، خاصة في ظل نقص العرض وارتفاع الطلب، مما دفع كثيرين للعيش في ظروف قاسية وغير مستقرة. هذا الواقع يضع تساؤلات مهمة حول الجهود المبذولة لتوفير بيئة مناسبة لاستقبال العائدين وتسهيل عملية اندماجهم في مجتمعاتهم المحلية.
قصص من الواقع
أحمد المسالمة، العائد من الأردن وهو من حي المنشية في درعا، المدمر بالكامل، فقد أشار إلى أن الأوضاع في بلده لم تتحسن كما كان يأمل. يقول لـ”963+”: “عدنا بعد وعود بتحسين الأوضاع وإعادة الإعمار، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين لدفع مبالغ طائلة على الإيجارات والخدمات الأساسية. حتى البيوت المهدمة يتم تأجيرها بأسعار خيالية”.
ويضيف: “حاولت أبحث عن بدائل أرخص، لكن الوضع كان صعب جدًا، والمناطق اللي كنت أفكر أسكن فيها إما مدمرة بالكامل أو تفتقر لأبسط مقومات الحياة. وللأسف، مع ارتفاع الأسعار ما بقى عنا خيار إلا نستمر بالمعاناة، خاصة أنه ما في مساعدات مباشرة أو دعم واضح للعائدين مثلي”.
وفي ظل الطلب المتزايد على السكن، شهدت أسعار الإيجارات ارتفاعاً حاداً. حيث وصلت الإيجارات في بعض المناطق المدمرة إلى مستويات تفوق قدرة معظم العائدين.
تقول أميرة، وهي معلمة عادت من تركيا بعد سقوط النظام السابق، لـ”963+”: “كنت أعتقد أن الحياة بدرعا ستكون أسهل عند العودة، لكننا وجدنا أنفسنا أمام معضلة كبيرة، فلا نستطيع شراء منزل ولا يمكننا تحمل كلفة الإيجار. جوزي هشام الناصر حاول كتير يدور على بيت يناسب وضعنا المادي، بس وين ما رحنا الأسعار نار، وما لقينا شي نقدر نتحمله. صرنا نفكر إنه حياتنا بالغربة كانت أهون من هالمعاناة”.
أسباب الغلاء
من جانبه، أوضح أبو تحسين الشرع، وهو صاحب مجمع سكني بدرعا، لـ”963+”، أسباب هذا الغلاء قائلاً: “الطلب على السكن كبير جداً، خاصة مع عودة المهجَّرين، بينما العرض محدود بسبب الدمار الذي لحق بالمباني والبنية التحتية. كما أن تكلفة ترميم المنازل وتجهيزها مرتفعة جداً، ما يدفع المالكين إلى رفع الأسعار”.
وأضاف الشرع: “هناك أيضاً مشكلة في التنظيم العقاري، حيث إن العديد من المنازل لا تزال تحت الأنقاض، وبعضها مملوك من قبل أشخاص غائبين أو مجهولي المصير، مما يعقد مسألة استغلالها للسكن”.
وفي تصريح آخر، قال أحمد الجهماني، وهو عائد من الشمال السوري لـ”963+”: “رجعت ع مدينتي، ولقيت الدمار كبير كتير، وتأمين بيت للإيجار صار شبه مستحيل. هلأ ساكنين ببيت أهل مرتي لأنه ما كان عنا غير هالخيار. كنا متأملين الرجعة تكون بداية حياة جديدة وأحسن، بس مع هالظروف الحالية الوضع صار صعب كتير. ومامعي مصاري أقدر استأجر بيت بهاي الأسعار العالية لأنه مافي دخل ثابت”.
وتحاول الجهات المعنية معالجة هذه الأوضاع من خلال برامج لإعادة الإعمار وتقديم تسهيلات للعائدين، إلا أن هذه الجهود تبدو محدودة مقارنة بحجم المشكلة. ويطالب العائدون بتوفير دعم حكومي أكبر يشمل إعادة تأهيل البنية التحتية ولا وعود حتى اللحظة.
وتمثل عودة المهجَّرين السوريين إلى وطنهم خطوة إيجابية نحو إعادة بناء المجتمع، لكنها تواجه تحديات معقدة تتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً لتوفير الظروف الملائمة للاستقرار. وبينما يعاني العائدون من غلاء الإيجارات وصعوبة الحصول على السكن، يبقى الأمل معقوداً على تسريع جهود إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية في المناطق المتضررة.