خاص ـ رامي شفيق/القاهرة
لا تزال قضية “تسفير” المقاتلين التونسيين نحو سوريا وليبيا، بين عامي 2012 و2013، ومعها اغتيال السياسي شكري بلعيد والمعارض محمد براهمي من أبرز القضايا التي ارتبطت بحركة “النهضة”، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في تونس، خلال الفترة التي تلت اضطرابات نهاية عام 2010 ومطلع كانون الثاني/يناير عام 2011، خاصة بعدما استطاعت “النهضة” وقياداتها السيطرة على السلطة والتمكن من مفاصل الدولة التونسية.
وسمحت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد عام 2021، والتي عرفت بمسار 25 تموز/ يوليو، بوضع تلك القضايا العالقة في سجلات المحاكم على مسار العدالة الناجزة، وتوجيه اتهامات مباشرة للحركة ولقياداتها، باعتبارهم مسؤولين بشكل مباشر وارتباط كل ذلك بقضية التمويل الأجنبي لحركة “النهضة”.
وتعود بداية فتح هذا الملف الشائك إلى شكوى تقدمت بها النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي إلى القضاء العسكري في كانون الأول/ديسمبر 2021، للكشف عن ملابسات ملف “التسفير” وكشف الأطراف المتورطة فيه.
وأوضحت نائبة في البرلمان التونسي في مقابلة خاصة مع موقع “963+” أن “المئات من الشبّان التونسيين تمّ تجنيدهم عمداً بين عامي 2011 و2013 عبر جوامع البلاد وإرسالهم للقتال في سوريا وليبيا”.
وقالت النائبة التونسية فاطمة المسدي في مقابلتها مع الموقع: “لا يمكن غض البصر عن كون تجنيد الشبّان التونسيين حدث في سياق زمني وسياسي يصعب إغفاله، خلال حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإخوانية التي دعمت وساندت الحركات الإرهابية في سوريا، وكان من الصعب علينا أن نصمت ازاء ذلك”.
وأضافت المسدي: “عملنا حينها على تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في قضية تجنيد وتسفير التونسيين، لكن قيادات النهضة المتحكّمة بالدولة في ذاك الوقت حالت دون تحقيق العدالة وعمدت على تعطيل مسار التحقيقات، خاصة بعد قرار إقالة ليلى الشتاوي من رئاسة اللجنة في شهر أيار/ مايو 2017، وذلك خشية تداعيات ما تمّ كشفه من ملابسات ونقاط خطرة تتعلق بهذا الملف. فضلاً عن تعمد بعض قيادات الإخوان في سلك القضاء بتعطيل مسار العدالة، وفي مقدمتهم بشير العكرمي الذي سعى جاهداً لتجميد هذا الملف وكل ما يتعلق بنشاط حركة النهضة المريب”.
وعمّا حدث في نهاية 2021 عندما تقدّمت المسدي بدعوى قضائية لفتح ملف “التسفير” الشائك، قالت النائبة التي تشغل أيضاً منصب عضو لجنة التحقيق البرلمانية في شبكات “التسفير”: “كنت أشعر بخطورة هذه الحركة وأدرك مدى تهديدها لاستقرار تونس وثوابتها وقيمها الثقافية والحضارية عبر عقود، وبناءً على ذلك تقدّمت بدعوى قضائية لفتح هذا الملف الشائك والمعقد على كافة المستويات الأمنية والسياسية والاجتماعية”.
كما أشارت إلى أن “هذا الملف تضمّن ما لا يقل عن 126 شخصية شملت سياسيين ونواب ورجال أعمال وقيادات بحركة النهضة. وعملت الأجهزة الأمنية على اعتقال العديد من المتورطين، إضافة إلى قرارات التوقيف الأخيرة والأحكام القضائية الخاصة بقيادات النهضة عبر ملفات عديدة”.
وحول تورط “النهضة” في ملف التسفير، لفتت المسدي إلى أن “من المهم معرفة أن حركات الإسلام السياسي لا تتجزأ، ومن الصعوبة أن ايجاد اختلافات تفصل فيما بينهم. ففي الواقع جميعهم نبتة واحدة يتعاونون على مسار واحد ويبتغون الوصول لذات الهدف. يختلفون تكتيكياً. ولكن من الناحية الشمولية او الاستراتيجية كل متسق بذاته”. وأضافت: “كل متابع للشأن التونسي خلال تلك الحقبة، يدرك أن حركة النهضة ترتبط بشكل وثيق بمسار الإرهاب. إذ كانت ضلعاً في تأسيس السلفية الجهادية من خلال نشأة جماعة (أنصار الشريعة) التي أنتجت تنظيمات مقاتلة مثل كتيبة (عقبة بن نافع) التابعة لتنظيم القاعدة، وكتيبة (جند الخلافة). وعند تسلمها مقاليد الحكم، عمدت الحركة إلى استقطاب السلفية الجهادية بالمال وبالخطاب المتطرّف لاستغلالهم ضدّ خصومها السياسيين. وفي تلك الأيام السوداء، إنتشر في تونس الخيام الدعوية، وسُمِع خطاب الكراهية العنيف، وتحولت تلك الأماكن إلى نقاط جذب لاستقطاب الشبان وتجنيدهم وتسفيرهم للقتال نحو بؤر التوتر سيما الحرب في سوريا”.
وتحدثت النائبة التونسية خلال لقائها مع “+963” أيضاً عن القيادي علي العريض ودوره في هذا الملف، وأكدت أن الأخير هو “المسؤول الأول في هذه القضية، خاصة على مستوى التعيينات والترقيات الأمنية التي حدثت في ذلك الوقت، واستبعاد بعض الكفاءات. وساهم العريض ومعه آخرين بالتعاون بشكل مباشر مع الإرهابيين من خلال تحضير جوازات السفر المزوّرة، وتأمين عملية دخولهم وخروجهم عبر المطارات. وكذلك لا يمكن إعفاءه من تورط إسمه في تسفير المقاتلين من خلال تنظيم خروجهم عبر حدود البلاد البرية من جهة ليبيا وجوياً عبر المطارات”.
وفي ما يتعلق بالتحقيقات القضائية في الوقت الراهن، أكدت أن “ملف تسفير المقاتلين يتقدم ببطء لكن بثبات. فثمة العديد من التحقيقات الأمنية والقضائية التي تجري بهذا الشأن. وهناك الكثير من الأمور الشائكة التي لا يمكن الإفصاح عنها في الإعلام، ولكن أستطيع القول بثقة أن الشأن الجديد والإيجابي يتمثل في أن دائرة الاتهام قد أدانت نائب رئيس حركة النهضة علي العريض وسيف الدين رايس القيادي بحركة أنصار الشريعة في ملف التسفير مما يعني التحرك في مسار الإدانة وترقب الأحكام القضائية النافذة في هذا الملف”.
وتابعت: “في الوقت الحالي تم تقسيم الملف كون الأجهزة الأمنية والقضائية تبحث فيما يقرب من 800 متهم بينهم عدد غير قليل من قيادات النهضة، وبالتالي أستطيع القول أن الإدانة في هذه القضية وفي ملف التمويلات الاجنبية التي تعرف بـ (اللوبينغ) وتلاه مقتل شكري بلعيد ومحمد براهمي، سيصنع مساراً حتمياً نحو قرار حل حركة النهصة وتصنيفها كتنظيم إرهابي خاصة وأننا نعمل بجد نحو ذلك”.
وختمت حديثها بالقول: “هذا الملف كبير ومتشعب، وتتداخل فيه عدة جهات، على مستوى الأجهزة الأمنية والجمعيات وبعض الشركات التي تورطت في عمليات التسفير، فضلاً عن قيادات حركة النهضة التي خططت ومهدت لنقل المقاتلين مما سيكشف لاحقاً عن شبكة كاملة وتنظيم كامل عمل على تسيير أعداد كبيرة من المقاتلين إلى سوريا وليبيا. وكذلك لا يمكن إغفال أنهم حاولوا في وقت لاحق إعادة هؤلاء الإرهابيين إلى تونس مرة أخرى، لكن هذا المخطط فشل تماماً ولم يصل أي منهم إلى البلاد”.
يشار إلى أن قوات “سوريا الديموقراطية” المعروفة اختصاراً بـ “قسد” والمدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق المجاور، تحتجز نحو 12 ألف مقاتلٍ أجنبي من عناصر التنظيم المتطرّف في سجونها والذين ينحدرون من عشرات الدول الأوروبية والآسيوية والعربية ومن بينها تونس.
كما تقيم آلاف الجهاديات اللاتي ينحدرن كذلك من نحو 55 دولةٍ أوروبية وآسيوية وعربية، في مخيمين اثنين هما “الهول” و”روج” اللذين أقيما بمناطقٍ خاضعة لسيطرة قوات “سوريا الديموقراطية” التي تطالب المجتمع الدولي إما بالسماح بمحاكمة هؤلاء مع أزواجهن أو الضغط على الدول التي ينحدرون منها لإعادتهم جميعاً.