منذ سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر الفائت، تقاطرت الوفود الديبلوماسية العربية والدولية على سوريا، للتواصل مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع وبناء العلاقات معه.
إلاّ أن المشهد السياسي السوري خلا من زيارة لأي وفد أو مسؤول مصري، ما يثير تساؤلات حول الأسباب التي تجعل من مصر، الفاعل الكبير في المنطقة العربية، أن تكون حذرة في انفتاحها على الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً أنها دعمت بشار الأسد حتى لحظات حكمه الأخيرة.
اتصالات ومساعدات
انتظر بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، ثلاثة أسابيع بعد سقوط الأسد ليتصل هاتفياً بنظيره السوري أسعد الشيباني، فيبحث معه سبل تحقيق الاستقرار في سوريا، من دون أي حديث عن تعاون مشترك بين الجانبين.
وكان تميم خلاف، المتحدث باسم الخارجية المصرية، قد قال في تصريحات إعلامية إن لا ترتيبات في الأيام القليلة المقبلة لزيارة وزير الخارجية المصري إلى سوريا، لافتاً إلى أن موقف القاهرة من دمشق يرتكز على أن لا تتحول العاصمة السورية إلى مصدر تهديد لدول المنطقة، وعلى بذل جهود سياسية سورية شاملة لضمان نجاح العملية الانتقالية.
وكانت وسائل إعلام مصرية قد أفادت في وقت سابق بأن “طائرة مساعدات مصرية وصلت مطار دمشق، تحمل 15 طناً من المواد الطبية والإغاثية”. وذكرت، أن قافلة المساعدات الطبية والإغاثية مقدمة من الهلال الأحمر المصري للشعب السوري.
أسباب الحذر المصري
يوضح سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس بمصر، لـ “963+” أن هناك مجموعة من العوامل السياسية والأمنية والاستراتيجية تدفع بمصر إلى الحذر في بناء العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة، مؤكداً أن الخلفية الإسلامية لأغلبية المسؤولين السوريين الجدد تثير حفيظة مصر، “وهذا ببرر حذرها في التعاطي مع الوضع الجديد في سوريا، في ضوء ربطه بتجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر”.
ويقول الزغبي: “عانت مصر طويلاً من الإرهاب في سيناء ومناطق أخرى، لذلك تخشى أن يؤدي الوضع الجديد في سوريا إلى إعادة تمركز الجماعات الإرهابية مثل ’داعش‘ أو ’النصرة‘ في أماكن أخرى، بما فيها دول شمال إفريقيا”، مشيراً إلى أن هذه الجماعات قادرة على تشكيل تهديد مباشر لأمن مصر القومي، سواء عبر الحدود أو من خلال خلايا نائمة، ومضيفاً: “الوجود التركي في سوريا ودعم أنقرة الإدارة السورية الجديدة أيضاً يثيران حفيظة مصر، التي ترى في ذلك الوجود تهديداً مباشراً لها، فأنقرة تتبع أجندة توسعية تتعارض مع المصالح العربية، وقد تستخدم تركيا وجودها في سوريا وسيلة ضغط على الدول العربية، وبينها، مصر لتحقيق مكاسب إقليمية”.
مؤشرات مقلقة
ثمة أسباب آخرى للتريث المصري أيضاً في الانفتاح بشكل كبير على الإدارة الجديدة في سوريا، بحسب عمرو حسين، الباحث المصري في العلاقات الدولية، “منها ظهور أحد المطلوبين البارزين في قضايا الإرهاب بمصر في صورة فوتوغرافية مع الشرع”.
وكانت وسائل إعلام سورية ومصرية قد تداولت صورة جمعت الشرع بالمصري محمود فتحي، المدان في قضايا تتعلق الإرهابي، ومحكوم عليه بالإعدام في قضية مقتل النائب العام المصري هشام بركات. وقد أثارت الصورة حينها استياءً في أوساط المصريين.
ويقول حسين لـ “963+” إن من بين المؤشرات التي جعلت مصر حذرة أيضاً “منح إحدى الشخصيات المطلوبة مصرياً رتبة عقيد في الجيش السوري”، مؤكداً أن وجود غير السوريين في وزارة الدفاع المشكلة يعد مؤشراً غير إيجابي على مستقبل البلاد، لافتاً في ذلك إلى ما تداولته منصات إعلامية من منح المصري علاء محمد عبد الباقي رتبة عسكرية ضمن التشكيلات الجديدة في وزارة الدفاع السورية.
ووضعت القاهرة شروطاً لتطبيع علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، بينها امتناع دمشق من استضافة أي شخص قد تراه القاهرة معادياً لها، ومنع الترويج لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفقاً لتقريرٍ نشرته “الأهرام” المصرية.
التقارب رهن سلوك دمشق
أما عبد القادر عزوز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق، فيقول لـ “963+”: “لا ضرورة لوفد مصري يزور دمشق، فالقاهرة يهمها أن تسير الأمور في سوريا باتجاه مساعدة الشعب السوري، وتوفير سبل الحياة له ومعالجة مخاوفه”.
ويضيف عزوز: “على الرغم من امتناع القاهرة من إرسال وفد رفيع المستوى إلى دمشق، الاتصالات المصرية مع الإدارة السورية الجديدة مستمرة، لكنها لا تعكس تغيّراً جوهرياً في الموقف المصري، إنما تهدف إلى استكشاف الأوضاع وفتح قنوات حوار، من دون المساس بالثوابت المصرية”.
وبحسبه، مستقبل التقارب السوري – المصري هو رهن الإدارة الجديدة، “ومن الحكمة أن تبدد مخاوف مصر وتشجع عملية انتقال سياسي تمثل الجميع من دون إقصاء أحد”، موضحاً أن مصر تراقب الأوضاع في دمشق عن كثب، وتتطلع إلى أن تكون أفضل لتعزيز العلاقات التاريخية مع سوريا.
موقف الإدارة السورية الجديدة من التحفظ المصري
يقول سامر كعكرلي، سكرتير المكتب السياسي في حزب اليسار الديمقراطي السوري، لـ”963+” إن الإدارة السورية الجديدة تتجنب اليوم أي مواجهة مع الحكومة المصرية، وتبدي تفهماً للتحفظات المصرية، وتصريحات وزير الخارجية السوري دليل على ذلك.
وبعد تلقيه اتصالاً هاتفياً من عبد العاطي، كان الشيباني قد أكد “ضرورة بناء علاقات مهمة وإستراتيجية مع مصر، من دون التدخل بشؤون بعضهما بعضاً”.
ويتابع كعكرلي: “التحفظات المصرية مرحلية قابلة للتغيير في المستقبل، لكن في الوقت نفسه، دمشق لا تضع تحسين العلاقات مع مصر في رأس أولوياتها”، موضحاً أن الشرع يركز الآن على قضايا أهم، “منها دمج الفصائل العسكرية، وتعزيز علاقاتها مع حلفائها الحاليين، مع إبقاء الباب مفتوحاً لتحسين العلاقات السورية المصرية”.
ولتحسين العلاقة المصرية السورية، يقول الزغبي: “أولاً، يجب إعادة سوريا إلى الحضن العربي بشكل يضمن تحقيق تسوية سياسية متوازنة ومستدامة، لأن غياب هذا الدور فاقم الأزمة”، معتبراً أن مصر تخشى أن يؤدي استمرار التنافس الدولي في سوريا إلى طمس هويتها العربية وهو ما تعتبره تهديداً للأمن القومي العربي بشكل عام.