في خطوة جديدة نحو إعادة رسم ملامح العلاقات السورية-السعودية، عبّر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن تفاؤل حذر بعد زيارة وفد سوري للمملكة، مشيراً إلى ضرورة تقديم الدعم الدولي لإعادة بناء سوريا، مع إزالة العقوبات التي تعيق التقدم. ورغم أن الحكومة السورية الجديدة أظهرت رغبة في الإصلاح والتعاون مع المجتمع الدولي، إلا أن التحديات كبيرة، كما يؤكد محللون.
وشهدت العلاقات السعودية السورية تحولاً نوعياً مع زيارة وفد من الإدارة السورية الجديدة إلى المملكة مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، في خطوة تعكس انفتاحاً متبادلاً لبناء جسور التعاون والتغلب على تحديات الماضي. هذه الزيارة كانت محور نقاشات على مستوى رفيع، حيث عبّر الجانبان عن رؤى متفائلة وحذرة للمستقبل، مع التركيز على أهمية دعم الاستقرار الإقليمي وإعادة إعمار سوريا.
وفي جلسة حوارية بمنتدى “دافوس”، أبدى وزير الخارجية السعودي تفاؤله الحذر بشأن مستقبل التعاون مع الإدارة السورية الجديدة. وأشار إلى أن الإدارة السورية ورثت دولة في حالة انهيار كامل، مما يتطلب دعماً واسع النطاق لإعادة بنائها.
وقال الأمير فيصل: “أنا حذر ومتفائل بحذر، لأن لدينا إدارة جديدة تتحدث وتتصرف بالطريقة الصحيحة. لديهم فرصة كبيرة لنقل سوريا إلى مسار إيجابي، ونحن بحاجة إلى الصبر والمساعدة في هذه العملية. على المجتمع الدولي أن يتفاعل ويدعم هذه الإدارة، لأن بناء دولة من الصفر ليس مهمة سهلة”.
وأكد الوزير أهمية إزالة العقوبات التي تعيق إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن الإسراع في تقديم الدعم سيحقق فوائد ملموسة في وقت قصير.
اقرأ أيضاً: الأول بعد فرار الأسد.. وفد رسمي سوري يتجه إلى السعودية – 963+
الرؤية السورية: شراكة تنموية شاملة
من جانبه، عبّر وزير الخارجية في الإدارة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، عن تقديره للدعم السعودي، مشيراً إلى أن الزيارة نقلت رؤية وطنية لإعادة بناء سوريا على أسس تشاركية وكفاءة تضم جميع مكونات الشعب السوري.
وكتب الشيباني على منصة “إكس”: “نقلنا رؤيتنا الوطنية لتأسيس حكومة شاملة وإطلاق خطة تنموية اقتصادية تدعم الاستثمار والشراكات الاستراتيجية. عبرنا أيضاً عن رغبتنا في أن تلعب سوريا دوراً إيجابياً في المنطقة وتعزيز الأمن والاستقرار إلى جانب الدول العربية”.
وأضاف الشيباني أن السعودية عبّرت عن استعدادها لدعم نهضة سوريا وتوحيد أراضيها، مشيراً إلى أن هذه الشراكة تمثل فرصة حقيقية للنهوض بالواقع المعيشي والخدمي للشعب السوري.
جودت الجيران، المحلل السياسي المقيم في ألمانيا، علق على تصريحات وزير الخارجية السعودي والسوري أسعد الشيباني قائلاً لموقع “963+”: “الدعم السعودي للإدارة السورية الجديدة يشير إلى تحول في السياسة الإقليمية نحو إعادة سوريا إلى محيطها العربي، لكن هناك عقبات كبيرة تتطلب إصلاحات جذرية. تصريح الشيباني بشأن تشاركية الحكومة يمثل نقطة فارقة، لكن الوضع السوري معقد للغاية من حيث التداخل الإقليمي والمصالح الدولية”.
وأضاف الجيران: “إصلاحات سياسية واقتصادية هي التحدي الأكبر. العقوبات الغربية ما زالت تعيق تدفق الاستثمارات، بالإضافة إلى غياب الثقة الدولية بإدارة دمشق في تطبيق الإصلاحات المطلوبة. ورغم ذلك، يرى المجتمع الدولي أن هناك فرصة لتحسين الوضع إذا تضافرت الجهود الدولية بما فيها السعودية”.
فيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا، أكد الجيران أن المملكة “قد تكون لاعباً رئيسياً في استعادة دور سوريا الإقليمي، لكن ذلك يتطلب تنسيقاً دولياً وتحديد أولويات سياسية، خاصة في ظل النفوذ الإيراني والوجود العسكري الروسي في سوريا”.
اقرأ أيضاً: وزير الدفاع السوري: نحن في بداية نهاية المفاوضات مع “قسد” – 963+
دور السعودية المحوري
أكد وزير الدفاع السوري أن السعودية، تلعب دوراً محورياً في دعم الاستقرار الإقليمي، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها ركيزة أساسية لتعزيز التعاون العربي المشترك.
وأشار الوزير إلى أن “المملكة قدمت نموذجاً يحتذى به في دعم الدول العربية المتضررة، من خلال رؤى استراتيجية تهدف إلى إعادة الإعمار والتنمية”. وأضاف أن التعاون مع السعودية “يمثل فرصة كبيرة لسوريا لاستعادة دورها الإقليمي، خاصة في ظل التحديات الراهنة”.
وأوضح الوزير أن “القيادة السورية تثمن المواقف السعودية الداعمة للشعب السوري، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو من خلال الجهود الديبلوماسية الرامية إلى رفع العقوبات الدولية وتخفيف معاناة السوريين”. واختتم بقوله: “الشراكة السورية السعودية ستفتح آفاقاً جديدة للتعاون، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة بأسرها”.
أحمد عجاج، أستاذ العلاقات الدولية في لندن، علق على تصريحات وزير الدفاع السوري بشأن دور السعودية قائلاً لـ”963+”: “من الواضح أن السعودية تعتبر الحليف الاستراتيجي الأهم لسوريا في مرحلة ما بعد الأزمة. المملكة لا تقدم فقط الدعم الاقتصادي، بل تسعى إلى تغيير ديناميكيات المنطقة عبر هذه الشراكة. لكن التعاون مع السعودية يتطلب أن تكون سوريا قادرة على إظهار التزام حقيقي بالإصلاحات”.
وأضاف عجاج: “سوريا بحاجة إلى رفع العقوبات الدولية والإصلاحات السياسية، لكن هذا لا يعني أن جميع التحديات قد تم حلها. هناك حاجة إلى استقرار داخلي مستدام حتى يتمكن المجتمع الدولي من الاستثمار في إعادة الإعمار. المملكة تراقب عن كثب تنفيذ هذه الإصلاحات”.
ويتفق عجاج مع سابقه في أن المملكة “قد تلعب دوراً مهماً في إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، وهو ما سيسهم في استعادة سوريا لمكانتها العربية، خصوصاً في ظل التغيرات السياسية في المنطقة مثل انسحاب بعض القوى الإقليمية”.
آفاق العلاقات ومستقبل الشراكة
يتفق المراقبون على أن العلاقات السعودية السورية مقبلة على مرحلة جديدة من التعاون، حيث تعكف المملكة على لعب دور ريادي في إعادة إعمار سوريا ودمجها في محيطها العربي. ومع استمرار جهود رفع العقوبات الدولية وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، يبقى الأمل معقوداً على تحقيق إصلاحات شاملة تعزز من فرص نجاح هذا التعاون.
وتؤكد التصريحات المتبادلة بين الجانبين على أن الشراكة السعودية السورية ليست مجرد خيار سياسي، بل ضرورة استراتيجية تخدم استقرار المنطقة ومستقبلها. المملكة، برؤيتها التنموية وموقعها القيادي، تبدو عازمة على تحويل سوريا إلى نموذج للتعافي والإصلاح، بما يحقق مصالح الشعب السوري ويعزز من مكانتها كقوة إقليمية فاعلة.