حمص
في قلب حمص القديمة، وداخل بيت عربي عتيق، تلتقي مجموعة من الشباب والشابات تحت مظلة منتدى “هارموني الثقافي”، الذي أصبح بفضل نشاطه وطاقته الإبداعية منصة تجمع بين الفن والثقافة وبناء السلام. استطاع المنتدى أن يحقق إنجازات لافتة، آخرها الفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الجونة السينمائي الأخير.
ويقول كامل عوض، مدير المنتدى لموقع “963+”: “مدينة حمص تشهد احتضاناً كبيراً للأنشطة الثقافية والفنية بعد التحرير. المنتدى استطاع تحقيق إنجازات لم تكن ممكنة في ظل النظام السابق”.
ويتابع: “أحد أهم نتائج التحرير هو قدرتنا على الحديث بحرية عن أعمالنا، مثل الفيلم الذي حصد جوائز عديدة وعُرض في عدة دول. في السابق، لم يكن بالإمكان عرضه في سوريا بسبب المخاطر التي كانت تهدد المشاركين فيه”.
الانسجام في الفن والمجتمع
يشير عوض إلى معنى اسم المنتدى: “كلمة ‘هارموني’ تعني الانسجام بين المقطوعات الموسيقية، لكننا وسعنا المفهوم ليشمل الانسجام بين مكونات المجتمع، وبين مختلف الفنون كالرسم، النحت، التصوير، والسينما. هدفنا كان أن نخلق انسجاماً حقيقياً يجمع الناس والفنون”.
واستذكر عوض بدايات المنتدى: “بدأنا بفكرة هارموني نهاية عام 2018 بسبب شعورنا بالقلق بعد سفر وهجرة الكثير من الأصدقاء. بحثنا عن مكان آمن يجمعنا، كنا مجموعة من الشباب نحب الفن بمختلف أشكاله. في البداية، لم تكن لدينا الخبرة لإدارة المكان أو حتى تسميته مؤسسة، لكننا كنا نبحث عن مساحة آمنة لنا كشباب بعد التجربة القاسية التي مرت بها المدينة”.
وعن مراحل التأسيس، يوضح مدير المنتدى: “المكان كان بيتاً محروقاً ومتهالكاً. خلال سبعة أو ثمانية أشهر، عملنا بأيدينا على ترميمه، لأننا لم نكن نملك تمويلاً كافياً. تلقينا مساعدة من مطرانية السريان الأرثوذكس ومركز أم الزنار للإغاثة، الذين قدموا منحة صغيرة. بدأنا العمل رسمياً في 12 مايو 2019، ومنذ ذلك الحين بدأ المشروع يكبر تدريجياً”.
مشاريع فنية ومجتمعية
كان أول مشروع نفذه المنتدى بعنوان “عبور”. يشرح عوض فكرته: “المشروع جمع 100 فنان بين أكاديميين وهواة، وكان لكل مجموعة ميسر من الفنانين الأكاديميين يساعدهم دون التدخل في أفكارهم. الهدف كان التعبير عن تجارب العبور من معاناة الحرب إلى التكيف مع الواقع الجديد. عرضنا الأعمال في قصر الزهراوي، ولاحظنا إقبالاً كبيراً ومفاجئاً من الناس، مما أكد لنا أن المنتدى يلبي حاجة المجتمع”.
والمشروع الآخر البارز هو “ما وراء الألوان”، الذي استمر ثلاث سنوات. في سنته الأولى، ركز المشروع على ورشات تدريبية مثل بناء السلام ومهارات الحياة. في سنته الثانية، نظّم المنتدى مخيمات بناء السلام التي ناقشت قضايا مثل التعصب والصحة النفسية. يوضح عوض: “أقمنا مخيمات في منطقة وادي العيون، وشارك فيها 150 شاباً وشابة. أنتجنا في نهاية المخيمات أعمالاً فنية ومسرحيات وأغاني تم عرضها في مطعم بيت الآغا بحمص القديمة”.
أما في السنة الثالثة، فقد تضمن المشروع فيلم “ذاكرتي مليئة بالأشباح”، المستوحى من قصص حقيقية لأفراد عاشوا تجارب مؤلمة خلال الحرب. يقول عوض: “طلبنا من المشاركين كتابة قصصهم، وقدمنا لهم تدريبات أدبية مع الكاتبة سلوى زكزك. هذه النصوص تحولت إلى أعمال فنية، وتم عرضها في ساحة مار مخايل بحمص. الفيلم الذي اعتمد على هذه القصص حصد مؤخراً جائزة في مهرجان الجونة”.
تجارب المتطوعين: شغف وانتماء
يزن محمد، طالب إدارة أعمال، يقول لـ”963+”: “بدأت كمشارك في مشروع ‘ما وراء الألوان 2’. ما يميز هارموني هو أنه يمنحك مساحة للتعبير عن نفسك، دون الحاجة لأن تكون أكاديمياً. يكفي أن تكون لديك شغف بالفن”.
أما فيرا دروش، خريجة كلية التربية، فتقول: “هارموني يشبه إنساناً يحتوي مشاعرنا في لحظات الحزن ويفرح معنا. هنا اكتشفت نفسي بشكل أوضح”.
من جهته، يقول رحيم، طالب هندسة الطاقة: “منذ انضمامي لهارموني، تغيرت نظرتي لكثير من الأشياء. كونت صداقات مع أشخاص مختلفين عني، وهذا يحسب لهذا المكان”.
ويستعد المنتدى لإطلاق مشروع جديد بعنوان “إحياء”. يقول مدير المنتدى: “المشروع سيركز على التراث المادي واللامادي لمدينة حمص. سنعمل على توثيق العادات والتقاليد والتراث العمراني من خلال أنشطة فنية وثقافية، على مدار ثلاث سنوات تشمل المدينة وريفها”.
ورغم التحديات، يواصل منتدى هارموني نموه. يقول عوض: “نعمل بصيغة فريق موحد، حيث يشارك الجميع في اتخاذ القرارات. منتدانا لا يعبر فقط عن معاناة الشعب، بل ينقل صوت حمص الحر الذي لم يكن له مكان في الماضي”.
ويضيف في ختام حديثه: “نؤمن أن الفن هو الأداة الأقوى لبناء السلام، وأن رسالة هارموني ستبقى تتسع، تحمل صوت الشباب وآمالهم نحو مستقبل أفضل”.