في أحد الأحياء الريفية بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، يقف عبد الواحد، شاب في أواخر العشرينيات من عمره، يتفقد بندقيته الجديدة من طراز “كلاشينكوف 56” ذات الأخمص الخشبي، والتي اشتراها مؤخراً مقابل 160 دولاراً.
عبد الواحد، الذي يعمل في حقول زراعية واسعة، يعتبر السلاح ضرورة ملحة في ظل التحديات الأمنية، خصوصاً مع انتشار السرقات في المناطق الريفية. “السلاح يحمينا ويخيف اللصوص”، يقول عبد الواحد لـ”963+”، مشيراً إلى أنه يخطط لترخيص بندقيته لاحقاً، على الرغم من أن الترخيص لا يزال إجراءً غير شائع في إدلب.
عبد الواحد ليس وحيداً في هذه الظاهرة. فشراء السلاح الفردي أصبح جزءاً من حياة الكثير من سكان إدلب في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بانخفاض أسعار الأسلحة وتوفرها بشكل غير مسبوق.
أسباب ازدهار سوق السلاح
تشهد محافظة إدلب حركة نشطة في بيع وشراء الأسلحة الفردية، مثل البنادق والمسدسات، نتيجة توفر كميات كبيرة من الأسلحة بعد سقوط معاقل النظام السوري المخلوع في المنطقة.
ووفقاً لتاجر السلاح محمد الحسن، المعروف بلقب “حراري”، فإن الأسعار تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالفترة التي سبقت سيطرة المعارضة.
ويضيف الحسن لـ”963+”: “على سبيل المثال، كان سعر بندقية كلاشينكوف يصل إلى 500 دولار قبل معارك التحرير، لكنه انخفض الآن إلى النصف تقريباً”.
ويرجع التاجر السبب إلى “كثرة العرض في الأسواق، سواء من خلال المتاجر التقليدية أو عبر الإنترنت عبر صفحات على فيسبوك وتلغرام”.
ومع ذلك، يختلف سعر السلاح بناءً على نوعه وحالته. فقد يشتري أحدهم بندقية بـ160 دولاراً، كما فعل عبد الواحد، بينما قد يدفع صديقه 220 دولاراً لنفس النوعية ولكن بحالة أفضل وأخمص طي، بحسب الحسن.
المسدسات: السلاح الأغلى والأكثر طلباً
رغم انخفاض أسعار الأسلحة، لا تزال أسعار المسدسات مرتفعة نسبياً. يقول الحسن إن “سعر المسدس من نوع “9-14″ لا يقل عن 1000 دولار، بينما تتراوح أسعار الأنواع الأخرى بين 300 و800 دولار، بناءً على الجودة. ويعود الطلب المتزايد على المسدسات إلى سهولة حملها وإخفائها، ما يجعلها خياراً مفضلًا للاستخدام الفردي”.
وفي محاولة لتنظيم السوق، أصدرت وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال قراراً بمنع حيازة وتجارة السلاح. لكن القرار لم يلقَ تطبيقاً صارماً في إدلب، حيث يستمر البيع عبر متاجر متخصصة وصفحات الإنترنت.
وعلى الرغم من ذلك، بدأت قوات الأمن العام بمصادرة الأسلحة من بعض الحواجز في المناطق المجاورة، مما ساهم في تراجع بسيط في حركة البيع.
وكانت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ قد أصدرت في عام 2021 قراراً بمنع تجارة السلاح وأغلقت عشرات المتاجر كانت تنتشر في محافظة إدلب، على حين بقيت تجارة السلاح رائجة وتتم عبر متاجر بعيدة عن مراكز المدن أو عبر مجموعات الفيسبوك وتلغرام.
وبعد سقوط النظام كثفت وزاة الداخلية تشدديها على تجار الأسلحة واعتقلت عدداً من التجار، بينما عمد آخرون لاستخدام أسماء وهمية عبر الانترنت لمتابعة نشاطهم لا سيما بعد زيادة الراغبين باقتناء السلاح.
ويرى الناشط الصحفي أسامة شهاب، في حديث لـ”963+” أن ضبط السلاح في إدلب لا يزال ممكناً، خاصة بعد الحملات الأمنية التي ساهمت في خلق حالة من الاستقرار النسبي.
تجارة السلاح كاستثمار
إلى جانب الحاجة الأمنية، هناك دافع ربحي يدفع البعض إلى شراء الأسلحة. يقول شهاب إن “انخفاض الأسعار شجع الكثيرين على شراء الأسلحة كاستثمار، حيث يتوقعون ارتفاع الأسعار مجددًا في المستقبل، سواء بسبب انخفاض العرض أو بسبب فرض غرامات وعقوبات جديدة على حيازة السلاح”.
تاجر السلاح “طالب” يؤكد هذا الاتجاه، مشيراً إلى أن أسعار الأسلحة مرشحة للارتفاع مع تزايد الرقابة ومحاولات تنظيم السوق. ويعتقد أن المسدسات ستكون الخيار الأكثر استدامة في المستقبل، نظراً لإمكانية ترخيصها.
ورغم أن السلاح يمثل ضرورة أمنية لبعض سكان إدلب، إلا أن انتشاره الواسع يثير القلق بشأن تداعياته على الأمن العام. فبعض الأهالي يبالغون في اقتناء الأسلحة، وهو ما قد يهدد السلام الهش في المنطقة.