في ظل مساعٍ لتعزيز الاستقرار في سوريا وإعادتها إلى مكانتها الإقليمية، التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ووزير الخارجية في الحكومة المؤقتة أسعد الشيباني، أمس السبت، وفد جامعة الدول العربية برئاسة حسام زكي، الأمين العام المساعد والممثل الشخصي للأمين العام للجامعة. اللقاء الذي وُصف بـ”الشامل والصريح”، تناول مستقبل سوريا ودورها ضمن منظومة الأمن القومي العربي، إلى جانب ملفات إعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية.
وخلال مؤتمر صحفي عقب اللقاء، عبّر وزير الخارجية السوري عن تطلع بلاده لاستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية. وقال الشيباني: “نعمل على عقد مؤتمر وطني يضم مختلف مكونات الشعب السوري وتوفير البيئة الآمنة لعودة السوريين”.
إعادة الإعمار والتحديات
في هذا السياق، أوضح مختار غباشي، المحلل السياسي، والأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية، أن العودة إلى الجامعة تمثل خطوة مهمة لاستعادة الدور العربي لسوريا.
وأضاف غباشي لموقع “963+”: “مصر لعبت دوراً محورياً في تسريع عودة سوريا، انطلاقاً من إدراكها أن الأمن القومي العربي لا يمكن أن يكتمل دون سوريا قوية ومستقرة”.
دعا الشيباني الدول العربية إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم التسهيلات اللازمة للاستثمار. وقال: “ندعو أشقاءنا العرب إلى المساهمة في جهود إعادة الإعمار، ومستعدون لتقديم كل التسهيلات للاستثمار في سوريا”.
في المقابل، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عدي رمضان، أن قضية إعادة الإعمار “تمثل تحدياً كبيراً للإدارة الجديدة”، مشيراً إلى أن كلفة الإعمار قد تُثقل كاهل الدولة والشعب.
وأضاف رمضان لـ”963+”: “إعادة الإعمار تعني المزيد من الديون التي ستتحملها سوريا وشعبها، مما يُفاقم الأعباء الاقتصادية بعد حرب استمرت 14 عاماً”.
ولفت رمضان إلى التحديات الإقليمية التي تواجه سوريا، ومنها الهيمنة التركية في الشمال السوري، والوجود الإسرائيلي قرب دمشق، والدور الروسي المتراجع.
وقال: “الوضع في سوريا يعكس سباقًا بين القوى الكبرى لتقاسم النفوذ. إعادة الإعمار لن تكون مجرد مشروع عربي، بل سيترتب عليها أثمان سياسية واقتصادية”.
اقرأ أيضاً: الشرع والشيباني يلتقيان وفد من الجامعة العربية في دمشق – 963+
رفع العقوبات الدولية: ضرورة أم مشروطية؟
أشار حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، إلى أهمية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لافتاً إلى أنها لم تعد مبررة في ظل التحولات الأخيرة. وقال: “العقوبات المفروضة على سوريا لم يعد لها مبرر الآن. وسنعمل بالتنسيق مع الجانب السوري لرفعها”.
وفي هذا الصدد، شدد غباشي على ضرورة رفع العقوبات لدعم استقرار سوريا، لكنه لفت إلى المخاوف المتعلقة بكيفية إدارة الإدارة الجديدة للموارد.
وقال: “رفع العقوبات خطوة ضرورية لدعم الاستقرار، لكن يجب التأكد من أن الإدارة الجديدة قادرة على توظيف الموارد بشكل عادل وفعّال”.
على الجانب الآخر، رأى عدي رمضان أن رفع العقوبات يتوقف على التوازنات الدولية. وقال: “القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتحكم في ملف العقوبات. وأي قرار برفعها سيكون مرتبطًا بمصالحها في المنطقة”.
مؤتمر الحوار الوطني
وأكد الشيباني في تصريحاته أن الإدارة السورية الجديدة تعمل على تنظيم مؤتمر وطني شامل لتوحيد مكونات الشعب السوري. وقال: “نعمل على عقد مؤتمر وطني يضم مختلف مكونات الشعب السوري”.
ووصف غباشي هذه الخطوة بالمهمة، مشيراً إلى أنها ضرورية لتهدئة الأوضاع ووضع إطار زمني لانتقال البلاد من الأزمة إلى مرحلة جديدة. وقال: “تكاتف القوى الوطنية السورية ضروري لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة”.
من جانبه، شدد حسام زكي على أهمية سوريا في منظومة الأمن القومي العربي، مؤكداً أن استقرارها يؤثر بشكل مباشر على الدول العربية. وقال: “سوريا بلد محوري، وما يحصل فيها يؤثر على الدول العربية. يجب أن نضمن استقرارها”.
واتفق مختار غباشي مع هذا الطرح، مشيراً إلى أن دور مصر في دعم استقرار سوريا يأتي من فهمها لأهمية دمشق في تماسك الأمن القومي العربي. وقال: “عودة سوريا قوية ومستقرة إلى الجامعة العربية هدف مصري وعربي أساسي”.
وتمثل زيارة وفد الجامعة العربية إلى دمشق، بحسب محللين، خطوة حاسمة نحو إعادة دمج سوريا في المنظومة العربية، لكن التحديات الاقتصادية والسياسية تظل عقبة أمام تحقيق الاستقرار الكامل. في ظل ذلك، يبقى الرهان على توافق عربي ودولي يدعم الإدارة السورية الجديدة في مواجهة التحديات وبناء مستقبل أكثر استقراراً.