خاص ـ دمشق
في صباح أحد الأيام الباردة في مخيم الركبان، وبين أصوات الرياح الباردة التي تمر عبر خيام المخيم، يتحدث أيمن الفلاح، شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، عن حكايته التي تبدأ من دير الزور، تلك المنطقة التي شهدت ويلات الحرب وتهجير سكانها قسراً. “منذ أن دخلت الفصائل الإيرانية إلى مناطقنا، اضطررنا إلى الهروب بعد معركة عنيفة مع تنظيم داعش. وتعرضت منطقتنا لتهجير قسري وقصف عشوائي طال كل شيء، حتى المنازل”، يقول الفلاح لموقع “963+” وهو يراقب بعينين مليئتين بالأمل والتحدي ورشته الصغيرة لتصليح أفران الغاز.
قصة أيمن هي واحدة من العديد من القصص التي تتناثر بين خيام مخيم الركبان، الواقع عند المثلث الحدودي بين الأردن وسوريا والعراق، من ضمن الأراضي السورية إلى الشرق من محافظة حمص، حيث يعيش آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية التي تعرضت لدمار شديد نتيجة الحرب. اليوم، ورغم كل الظروف الصعبة، لا يزال أيمن يرفض العودة إلى مسقط رأسه في دير الزور.
سنوات من التهجير والألم
“فررنا إلى مخيم الركبان بعد أن دمرت الحرب كل شيء في حياتنا، وكان المخيم بالنسبة لنا أشبه بالموت البطيء. الحياة فيه كانت تمضي ببطء، والناس يكادون يفقدون الأمل مع كل يوم”، يتذكر أيمن تلك السنوات العصيبة من التهجير.
ويشير إلى الصعوبات التي واجهها السكان بسبب الحصار المفروض على المخيم من قبل النظام السوري. كانت الحياة في المخيم صعبة جدًا، لا سيما مع نقص المساعدات الإنسانية والمرافق الأساسية.
ومع سقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، بدأت بوادر الأمل تظهر مع دخول المنظمات الإنسانية إلى المخيم لتقديم مساعدات غذائية وطبية، مما جلب بعض الراحة لسكان المخيم. ورغم تلك التحسينات، لا يزال الكثير من سكان المخيم يفضلون البقاء بعيدًا عن مناطقهم الأصلية.
خيار البقاء أو العودة
الفلاح، مثل العديد من سكان المخيم، يرفض العودة إلى منطقته في دير الزور. يقول: “أولاً، لا يوجد لدي منزل بعد أن دُمّر خلال الحرب، وثانياً، بدأت في تشغيل مشروعي الصغير الذي أعيش منه اليوم. إضافة إلى ذلك، لا يمكنني العودة بسبب وجود الألغام في المنطقة، فكل يوم نسمع عن ضحايا جدد بسببها”.
ورغم ذلك، هناك من يفضل العودة إلى ديارهم، وهو ما يعكس التناقضات التي تشهدها حركة النزوح والعودة.
وفي هذا السياق، قال محمد المشهور، الإداري في قسم الأمن والسلامة بمخيم الركبان، لـ”963+” إن “نحو 20% من النازحين قد عادوا إلى مناطقهم بعد تحرير الأراضي السورية من قبضة النظام السوري وميليشياته الإيرانية على يد هيئة تحرير الشام”.
ورغم هذه العودة الجزئية، أشار المشهور إلى أن حركة العودة ما زالت بطيئة، مؤكداً أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى المخاوف من مخلفات الحرب التي تلوث العديد من المناطق، مثل حمص ودير الزور. “لا تزال الألغام منتشرة في العديد من المناطق الوسطى، وقد تسببت في العديد من الحوادث التي راح ضحيتها أطفال وشباب وكبار السن”، أضاف المشهور.
وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية داخل المخيم كانت كارثية خلال فترة الحصار، حيث عانى السكان من المجاعات وتوقف المساعدات الإنسانية. ولكن، مع تحرير المناطق ورفع الحصار، بدأ الوضع يتحسن تدريجياً، حيث أصبحت المنظمات الإنسانية قادرة على دخول المخيم وتقديم المساعدات، مما أدى إلى تحسن الظروف المعيشية في المخيم.
وأكد المشهور أن “العديد من النازحين الذين كانوا في المخيم تأجلوا في العودة إلى مناطقهم بسبب التحسن في الوضع داخل المخيم، حيث أصبحت المساعدات الإنسانية مستمرة، وهذا ساعد في رفع الروح المعنوية للسكان”.
“60% من سكان المخيم غادروا”
من جانبه، أكد الناشط الإعلامي حمود عبد الله، أن الوضع في مخيم الركبان قد شهد تحسناً ملحوظاً بعد فك الحصار عنه. “بعد سقوط النظام السوري، بدأ دخول المواد الغذائية والأدوية إلى المخيم، وتلبية احتياجات سكانه”، يقول عبد الله لـ”963+”. ويضيف أن “أكثر من 60% من سكان المخيم غادروا منذ سقوط النظام وحتى اليوم، متوجهين إلى مناطقهم، خاصة في ريف حمص الشرقي، مثل تدمر والقريتين”.
وأشار عبد الله إلى أن العديد من العائدين اختاروا العودة إلى منازلهم المتضررة جزئياً بدلاً من العيش في المخيم أو في البيوت الطينية التي لا تلبي احتياجاتهم. ورغم ذلك، يرى عبد الله أن بعض العائلات الكبيرة، التي عاشت لسنوات طويلة في المخيم، تواجه صعوبة في العودة بسبب التدمير الكامل لمنازلها أو لأنهم لم يكن لديهم منازل أصلاً.
ورغم التحسينات التي شهدها المخيم، إلا أن الكثير من السكان يواجهون صعوبة في العودة بسبب الوضع الأمني والمعيشي في مناطقهم الأصلية. وتؤكد هذه التصريحات أن قضية العودة تتشابك مع العديد من العوامل، من بينها الأمان، والدمار الذي طال المنازل، والخوف من الألغام، وظروف الحياة الصعبة في تلك المناطق.
وفي الوقت الذي يأمل فيه أيمن وآخرون في المخيم في حياة أفضل بعيداً عن الحرب، فإن مشهد العودة يظل ضبابياً، ما يجعل قضية البقاء أو العودة مرهونة بانتظار مزيد من التحسن في الأوضاع الأمنية والإنسانية. “نحتاج إلى مزيد من الدعم لإعادة بناء حياتنا، سواء هنا في المخيم أو في دير الزور،” يقول الفلاح وهو يتطلع إلى مستقبل أكثر استقراراً.