في ظل تحديات اقتصادية وسياسية هائلة تواجهها البلاد بعد سقوط النظام السوري السابق، باتت التحركات الإقليمية محط الأنظار بحثاً عن حلول تُخرج سوريا من أزمتها. الاتصال الهاتفي الأول من نوعه بين قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي ناقش دعم الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار، يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة الدور الإماراتي في الملف السوري، وحدود تأثيره في تحقيق توافق دولي وإقليمي يعزز استقرار المنطقة وكيف يمكن أن يسهم اتصال بين في رسم ملامح مرحلة جديدة لسوريا؟
وأجرى الشرع، يوم أمس الجمعة، اتصالاً هاتفياً برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهو الأول منذ سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. تناول الاتصال سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة ويدعم جهود سوريا نحو الاستقرار وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الجانبين شددا على أهمية التنسيق المشترك بين سوريا والإمارات، وتكثيف الجهود لدعم الشعب السوري في تجاوز التحديات الراهنة التي خلفتها سنوات الحرب. كما أعرب الشرع وآل نهيان عن التزامهما بالعمل على تحقيق التنمية المستدامة، وإعادة بناء الدولة السورية بما يلبي تطلعات الشعب.
وأكد الشيخ محمد بن زايد، خلال الاتصال، دعم الإمارات لاستقلال القرار السوري وسيادة سوريا الكاملة على أراضيها.
الإمارات ودورها المركزي في الملف السوري
أكد حسن المومني، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن “دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب دوراً حيوياً في المسألة السورية، لا سيما من خلال دعمها الاقتصادي وعلاقاتها الإقليمية والدولية”.
وقال المومني لموقع “963+”: “سوريا تمثل مصلحة استراتيجية للإمارات، سواء من حيث العلاقات الثنائية أو ضمن إطار التحركات الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار”.
وأشار مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، إلى أن “الإمارات يمكنها أن تكون داعماً اقتصادياً كبيراً لسوريا في مرحلة إعادة الإعمار”، لافتاً إلى “امتلاكها إمكانات واسعة تتيح لها المساهمة في تطوير القطاعات الاقتصادية المتعددة داخل سوريا”.
وفيما يتعلق بالتحديات التي قد تواجه العلاقات بين البلدين، نبه المومني إلى أن “العودة إلى حالة الفوضى في سوريا أو الاختلافات السياسية قد تعرقل الجهود المبذولة لإعادة بناء الدولة”. وأضاف أن “الإمارات تتبنى رؤية شاملة تدعو إلى أن تكون سوريا للجميع، مع التركيز على ضرورة وجود عملية سياسية جامعة”.
استقرار سوريا في قلب اهتمامات الإمارات
بدوره، أكد الكاتب السياسي المستقل غسان يوسف أن الاتصال الهاتفي بين بن زايد والشرع، “يعكس اهتمام الإمارات العميق بتحقيق الاستقرار في سوريا”، مشدداً في حديث لـ”963+” على حرص أبوظبي على استمرار العلاقة الأخوية بين البلدين.
وقال يوسف: “الإمارات كانت دائمًا تؤكد أهمية العلاقة مع الدولة السورية، وليس مع النظام السابق”، مشيراً إلى تصريحات وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في هذا السياق.
وأشار يوسف إلى أن “الإمارات تمتلك القدرة على المساهمة في رفع العقوبات الدولية عن سوريا، والمشاركة الفعالة في مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار، وهو ما تسعى إليه الإدارة السورية الجديدة”.
وأشاد المومني ويوسف، “بالجهود الإماراتية في إطار الجامعة العربية، حيث تتمتع الإمارات بعلاقات قوية مع العديد من دول الجوار السوري، مثل العراق والأردن والسعودية ومصر ولبنان، إلى جانب علاقاتها المتميزة مع تركيا، الولايات المتحدة، ودول أوروبا”.
ولفتا إلى أن “هذه العلاقات تمكن الإمارات من لعب دور محوري في تعزيز التوافق الإقليمي والدولي حول الملف السوري”.
تحديات أمام التعاون السوري ـ الإماراتي
على الرغم من الإشادة بالدور الإماراتي، أشار يوسف إلى أن تعاون سوريا مع الدول العربية، بما فيها الإمارات، “قد يواجه عقبات في حال استمرار العقوبات الدولية المفروضة على دمشق”. مع ذلك، شدد على أن علاقة سوريا مع أي دولة عربية أو أجنبية “هي قرار سيادي، ولا يحق لأي دولة أخرى التدخل فيه”.
ومع تزايد الدور الإماراتي في الملف السوري، يبقى نجاح هذه الجهود مرتبطاً بإزالة العقبات الدولية والإقليمية التي قد تعرقل مسيرة إعادة الإعمار والاستقرار.
والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، اليوم السبت، وفد جامعة الدول العربية برئاسة حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية. خلال اللقاء، أكد الجانب السوري تطلعه لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، مع التزامه بعقد مؤتمر وطني شامل وتهيئة الظروف الآمنة لعودة السوريين.
وأشار الشيباني إلى الجهود المبذولة لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار ودعا الدول العربية للمساهمة في إعادة الإعمار، مؤكدًا أهمية رفع العقوبات الدولية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
من جانبه، وصف زكي اللقاء بالشامل والصريح، مشيراً إلى أن زيارته تهدف لإعداد تقرير شامل عن الوضع السوري للدول العربية. وأضاف أن رفع العقوبات بات ضرورة، مؤكدًا استمرار عضوية سوريا في الجامعة بعد رفع التجميد عام 2023، وداعيًا لتحقيق توافق عربي حول الملف السوري.