على أحد أطلال المباني المدمرة في دير الزور، يقف أحمد العسكر، المهندس المدني ذو الـ35 عاماً، يستذكر فريقه الذي كان يعمل على إعادة ترميم مدرسة قديمة. يقول العسكر لـ”963+”: “كنت هنا قبل عشر سنوات، ولكن ليس كمهندس، بل كفرد من شباب يعيشون تحت الخوف والتهديد”.
يروي أحمد قصته، كيف كاد ينتهي حلمه بسبب الملاحقات الأمنية، من قبل النظام السوري المخلوع، وكيف تعرض للاعتقال بسبب مقاله الذي انتقد فيه النظام. لكنه اليوم، بعد زوال قبضة النظام، يعمل بجد على إعادة إعمار مدينته، مؤمناً أن الشباب هم الأساس لبناء مستقبل سوريا الجديدة.
أحمد ليس وحده في هذا الحلم. قصة أحمد هي واحدة من آلاف القصص التي تمثل مزيجاً من الألم والأمل، وتحكي عن جيل عاش الحرب لكنه يطمح الآن لإعادة صياغة حياة مليئة بالأمل والفرص.
سنوات من التحديات والآلام
منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، مرت البلاد بتغييرات عميقة أثرت على كل مناحي الحياة. دُمرت البنية التحتية، وتشتت العائلات، وتعرض الشباب لضغوط نفسية واجتماعية هائلة. لكن هذه المعاناة دفعت الشباب إلى السعي نحو التغيير رغم المصاعب.
ووسط شارع هادئ في مدينة حمص، وسط سوريا، حيث ما زالت آثار الحرب تروي قصص الألم، تجلس سارة الهاشم، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 24 عاماً، على مكتبها الصغير في منزل أعيد ترميمه حديثاً. تكتب في دفترها عبارات عن السلام والأمل، وهي تحلم بيوم ترى فيه سوريا مكاناً أفضل.
تقول سارة لـ”963+”: “كانت طفولتي طبيعية حتى اندلعت الحرب. فجأة، وجدت نفسي أعيش في عالم مختلف تماماً؛ عالم مليء بالخوف والفقد”.
تروي سارة أن الحرب مزقت حياتها؛ فقدت والدها في قصف طال منطقتهم عام 2013، وهُجر باقي أفراد عائلتها إلى مدن أخرى، بينما اضطرت هي للبقاء وحيدة في حمص لتحافظ على منزلهم.
وتضيف: “كان الحلم أن أكمل دراستي الجامعية، ولكن في ظل تلك الظروف كان مجرد الخروج من المنزل مخاطرة. أصدقاء الطفولة إما هاجروا أو فقدوا حياتهم، وكنت أخشى أن أكون التالية”.
ولكن رغم الصعوبات، استطاعت سارة تجاوز العقبات وإكمال تعليمها الجامعي بعد زوال المخاطر الأمنية. الآن، وهي في السنة النهائية بدراستها الجامعية، تطمح لأن تصبح معلمة تساهم في تشكيل أجيال جديدة تؤمن بالسلام.
تقول سارة بابتسامة يغمرها التفاؤل: “أريد أن أعلم الأطفال كيف يكونوا متسامحين، وكيف يحلمون بعالم أفضل. الحروب دمرت الكثير، لكن لا يمكنها تدمير الأمل فينا”.
الشباب يقودون التغيير
قصة سارة ليست استثناءً؛ فهي تمثل شريحة كبيرة من الشباب السوري الذين يسعون لتحويل معاناتهم إلى دافع للتغيير. محمد الإبراهيم، ناشط حقوقي من حلب يبلغ من العمر 50 عاماً، يتحدث عن دور الشباب في بناء سوريا الجديدة، قائلاً: “أنا أؤمن أن الشباب السوري يمتلك طاقات هائلة للتغيير. لقد عانوا القمع والحرمان، ولكن ما يميزهم هو قدرتهم على النهوض مرة أخرى.”
يتابع الإبراهيم لـ”963+”: “شاهدت بأم عيني كيف استطاع الشباب تأسيس مبادرات تطوعية في حلب. البعض بدأ بمشاريع صغيرة مثل تعليم الأطفال المهارات الرقمية، والبعض الآخر ساهم في تنظيف المناطق المتضررة من مخلفات الحرب. هذه المبادرات ليست مجرد خطوات بسيطة، بل هي أسس لبناء مجتمع جديد قائم على التعاون والعمل الجماعي”.
ويشير الإبراهيم إلى أن الشباب اليوم ليسوا فقط مستعدين للتغيير، بل يطالبون بدور أكبر في عملية صنع القرار: “نحتاج إلى دعمهم على كافة المستويات، من التعليم إلى التمكين الاقتصادي. بدون مشاركة الشباب، لن نستطيع بناء مستقبل مستدام”.
الأمل يتجدد رغم التحديات
رغم أن الطريق لا يزال مليئاً بالتحديات، إلا أن الشباب السوري أظهروا قدرة فريدة على تحويل الصعوبات إلى فرص. الفقر والبطالة والآثار النفسية للحرب هي من أبرز العوائق التي تواجههم، إلا أن المبادرات المحلية والدولية بدأت تعمل على سد هذه الفجوات.
سارة واحدة من هؤلاء الشباب الذين قرروا أن يواجهوا الصعوبات برؤية إيجابية: “أعلم أن الأمر ليس سهلًا. سوريا عانت كثيراً، ولكن إذا كنا نحن، الشباب، لا نؤمن بالتغيير، فمن سيفعل؟ علينا أن نكون القوة التي تعيد بناء هذا الوطن، لبنة لبنة”.
واليوم، سوريا تقف على أعتاب مرحلة جديدة. قصص مثل قصة سارة وأحمد العسكر ومحمد الإبراهيم تشكل معالم هذه المرحلة، حيث يسعى كل فرد للمساهمة بطريقته. إعادة إعمار سوريا ليست مجرد عملية مادية، بل هي إعادة بناء الأمل، الثقة، والانتماء.
ويؤكد الإبراهيم في ختام حديثه: “نحن بحاجة إلى إرساء قيم الديموقراطية ودعم حقوق الإنسان. الشباب السوري لم يطالبوا فقط بالحرية، بل حلموا بسوريا تتيح للجميع فرصة لتحقيق أحلامهم. الآن، لديهم الفرصة لتحويل هذه الأحلام إلى واقع، ولكنهم يحتاجون للدعم والمساندة من المجتمع المحلي والدولي”.
الشباب السوري اليوم ليس مجرد أرقام، بل هم قادة المستقبل وأمله. ببناء قدراتهم والاستماع إلى أصواتهم، يمكن لسوريا أن تنهض من جديد. حلم سارة بأن تصبح معلمة يعلم الأطفال قيم السلام، وحلم أحمد بإعادة إعمار وطنه، وحلم محمد بأن يرى الشباب يشاركون في القرارات المصيرية، كلها أحلام قادرة على تحويل سوريا إلى بلد يفتخر به أبناؤه.