خاص ـ نادر دبو/ درعا
تعرضت المواقع الأثرية في محافظة درعا جنوبي سوريا، إحدى أغنى المناطق الأثرية في البلاد، للتدمير والتخريب جراء النزاع المسلح والفوضى التي تبعته. ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، تفاقمت ظاهرة التنقيب غير المشروع عن الآثار، مما يشكل تهديداً خطيراً للتراث الثقافي السوري والهوية التاريخية للمنطقة.
وشهدت درعا حالة من الفوضى الأمنية على فترات، ما أفسح المجال أمام عمليات التنقيب العشوائي والنهب المنظم للمواقع الأثرية.
وأوضح الباحث التاريخي نضال شرف، في تصريحات لموقع “963+” أن “انهيار الأجهزة الأمنية وغياب القوانين الرادعة ساهما بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة”. وأضاف أن “الفراغ الأمني الناتج عن الحرب فتح الباب أمام شبكات التهريب والمنقبين لتحقيق مكاسب شخصية على حساب التراث الوطني”.
دوافع التنقيب غير المشروع
يرتبط التنقيب غير المشروع بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، حيث يعاني سكان درعا من الفقر المدقع والبطالة. وفي حديث خاص مع “963+”، قال “ياسين”، أحد المنقبين (اسم مستعار): “الظروف الصعبة هي اللي دفعتني. ما كان في شغل ثابت أو مصدر رزق كافي، ولما سمعت إنه في ناس عم يربحوا منيح من بيع القطع الأثرية، فكرت إنها فرصة”.
وأضاف ياسين أنه، “بالتعاون مع بعض معارفه، بدأ في البحث والتنقيب عن القطع الأثرية باستخدام معدات بسيطة وأحياناً أجهزة كشف المعادن، بهدف بيعها للتجار الذين كانوا يتعاملون معهم مباشرة”.
وأكد أن “هؤلاء التجار غالباً ما ادعوا أن هدفهم هو الحفاظ على القطع الأثرية، لكنه لم يكن يعلم ما يحدث لها لاحقاً”.
وشدد الباحث التاريخي، على أن “التنقيب غير المشروع أدى إلى تدمير السياق التاريخي للآثار، مما يجعل دراستها المستقبلية شبه مستحيلة”.
وتعرضت مواقع أثرية بارزة، مثل معبد الشمس في مدينة نوى وسرير بنت الملك في بصرى الشام، لتدمير شامل نتيجة القصف والتنقيب العشوائي.
وأضاف شرف أن الخسائر تجاوزت الجانب المادي، حيث تمثل هذه المواقع شواهد على الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، وفقدانها يشكل نزيفاً ثقافياً يهدد الهوية السورية.
تورط النظام المخلوع
كشف شرف عن وجود أدلة واضحة تشير إلى “تورط ضباط في نظام الأسد المخلوع في تهريب الآثار”.
وأوضح أن “هذه العمليات كانت تتم بطريقة منظمة عبر شبكات دولية، حيث استغل هؤلاء الضباط مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب التراث الوطني”.
وأكد على أن بيع الآثار السورية في السوق السوداء العالمية “يشكل سرقة مزدوجة، إذ يؤدي إلى فقدان القطع الأثرية وطمس الهوية الثقافية”.
وطالب الباحثون بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحماية ما تبقى من التراث الثقافي السوري. وركز شرف على أهمية إشراك المجتمع المحلي في جهود الحماية من خلال تعزيز الوعي بأهمية المواقع الأثرية باعتبارها جزءاً من الهوية والتاريخ المحلي، بالإضافة إلى ضرورة تنظيم حملات دورية من قبل مديريات الآثار والمتاحف لمراقبة المواقع الأثرية ومنع التعديات.
كما شدد على أهمية التعاون مع منظمة اليونسكو في استعادة القطع المسروقة وتعزيز الجهود الدولية للحفاظ على التراث السوري.
الهوية الثقافية في خطر
واختتم شرف بالقول: “هذه الآثار ليست مجرد حجارة، بل تمثل ذاكرة أجدادنا وتاريخنا. بفقدانها، نخسر جزءًا من هويتنا وذاكرتنا الجماعية”.
ويعكس التنقيب غير المشروع في درعا أزمة عميقة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لإنقاذ ما تبقى من التراث الثقافي السوري الذي يشكل كنزاً لا يعوض للأجيال القادمة.